مآزق المشهد السياسي اليمني والحلول الممكنة 5 - 7
علي بن ياسين البيضاني
علي بن ياسين البيضاني

كنا تطرقنا في الجزء الرابع من مقالنا " مآزق المشهد السياسي اليمني والحلول الممكنة " وتحدثنا فيه عن دولتان في وطن واحد ، نواصل اليوم الحديث عن المأزق الخامس :
تحالف الشر الحوثي والعفاشي ( أفعي برأسين )
هذا التحالف ارتبط بمصالح مشتركة قذرة هدفها الأساسي تحقيق طموحات وأجندات ظاهرة وخفية على حساب خراب البلاد وتدمير العباد ، وفقًا لمصطلح ميكافيلي ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، مع العلم أن العداوة فيما بينهما شديدة ، ربما لا تقل عن عداوتهما أمام أي طرف آخر ، لكن جمعهما أن مصالحهما على الأرض لن تتحقق إلا بمشاركة أحدهما الآخر تمامًا ، ولن يتحقق لأي طرف نجاحًا ما لم يكن مشتركًا مع قرينــــــه ، ولا نجد أفضل من توصيف أحدهما مع الآخر سوى الرجل الشرير وقرينه من الشيطان ، وأظـــن الأول هو عبد الملك الحوثي والثاني هو علي عفاش ..
 ونظرًا لتوافق المصالح فيما بينهما نراهما يسيران في نسق السيطرة على البلاد ، وتدميرها وإعادتها إلى ما قبل خمسين عامًا بل أكثر من ذلك ، واستطاع الفريقان وفي غياب السلطة الحقيقية للبلاد تمتين مداميك سيطرتهما على صنعاء وكثير من المحافظات ، رغم أن هذه السيطرة من وجهة نظر الكثيرين سيطرة واهية وواهنة باعتبار أن الإنتصارات العسكرية التي تمت من قبلهما كان وراء تحققها خيانات وشراء ذمم وولاءات ، ما كان لها أن تتحقق إلا بتلك المؤامرات القذرة ، ولم يكن شعار الجيش المدافع حينها إلا التسليم المريب ..
هذا التحالف نستطيع أن نسميه ( أفعى برأسين ) ، وخلاصته أن كل رأس يريد أن يصطاد فريسته ، ولربما في أحايين كثيرة قد يحدث صراع بينهما ( كما تصوره لنا أفلام الكرتون ) وهذا نراه حقيقة واضحة فى العلاقة بين الحوثيين والعفاشيين ، تجمعهما اشتداد الضربات عليهما معًا ، ويفرقهما استتباب وضعهما السياسي والعسكري واختلافهما حول من يكون له نصيبًا أكبر في كعكعة اليمن ...
 هذا التحالف القذر يبدو أنه زاد قوةً بعد تغيُّر السياسة السعودية نحوهما معًا ، وذلك بعد تنصيب الملك / سلمان بن عبد العزيز ، والذي اتخذ سياسة واضحةً ومحددةً وقويةً لا تقبل المداهنة نحوهما ، ثم زاد أكثر بعد خروج الرئيس هادي إلى عدن واتخاذه سياسة أخرى مغايرة تسير في فلك السياسة السعودية ضد الحوثيين ووفقًا لتفاهمات معينة وواضحة ...
 التحالف الحالي لوحظ عليه أنه يسير في إطار توسيع دائرة السيطرة على اليمن بأكملها ، لكن كما يبدو أنهما محتارين من أين تكون بداية المعارك ، هل من مأرب والجوف ثم شبوة فأبين وعدن ؟ ، أم من تعز ولحج وعدن ، أم عبر الخط الساحلي بعد السيطرة على باب المندب وجميع المواقع العسكرية فيها ، أم تفجير الموقف العسكري من عدن والسيطرة على مقاليد الأمور وإسقاط هادي بكل الوسائل الممكنة ، أم يكون معركة شاملة تشترك فيها الصواريخ والطيران وكل السلاح الثقيل ، حتى يضعوا اليمنيين ودول الخليج والعالم أمام الأمر الواقع ، هذا ما سنعرفه في قادم الأيام ، لكن يقيننا أن الحوثيين والعفاشيين يسيرون معًا في مشاريع السيطرة الإيرانية ولو على تدمير اليمن أو تجزئتها ، ولن يجنحوا للسلم ولا للحوار ، ولسان حالهم يقول ( نكون أو لا نكون ) ، لأنهما يرون أنفسهم الطرف المستهدف داخليًا وخارجيًا ، وإذعانهم للحق وركونهم إلى تحقيق السلام فى البلاد والإستقرار معناه ضياع مشاريعهما كلها ..
الأمر يبدو أنه معروف لدى القيادة السياسية فى البلد ، ولدى بقية أحزاب اللقاء المشترك ، لكن غير المعروف أن عمليات المواجهة الحقيقية لكل تلك الأعمال العدوانية التخريبية غائبة تمامًا في اتخاذ مواقف أكثر جرأة وقوة ، وعملية التباطؤ في اتخاذ مواقف حاسمة لكل الأعمال العدوانية والتخريبية من قبل الحوثيين والعفاشيين هو الذي أوصل البلاد والعباد إلى ما هي عليه الآن ، ولذلك نقول أن صنعاء سقطت يوم سقطت دماج وعمران .. والتساهل في معالجة الإختلالات تحت مبرر الحفاظ على اللحمة الوطنية والحفاظ على الدماء هو الذي أسهم بفعالية في تمزيق اللحمة الوطنية ، وسفك المزيد من الدماء ، بل ربما – لا سمح الله – أن يتم إيصال البلاد إلى الوضع السوري أو الليبي أو العراقي ، ونقولها مدوية واضحة أن الفريقين لن يترددا لحظة واحدة في تصفية كل من كان عائقًا أمام مشاريعهما التدميرية ، ولو كان شخص الرئيس هادي ، لأنه الآن في نظرهم أكبر عائق ، ولم يعد بالإمكان إعادة الأمور إلى الوضع السابق البتة ..
 ولأن الأفعى برأسين ( التحالف الحوثي العفاشي ) ستظل تضرب يمنة ويسرة ، وتنفث سمومها هنا وهناك ، فالمطلوب اتخاذ مواقف حاسمة وقوية تتبناها السعودية ، والتي هي أكثر الدول تضررًا من هذا التحالف ، وقد سمعنا مرارًا تصريحات بعض القيادات الحوثيية ( الخيواني ) يصرح بأنهم سيدخلون طائفين الكعبة العام القادم ، وتصريح آخر لمأفون حوثي ( فارس أبو بارعة ) أنهم يرفضون الذهاب إلى السعودية للحوار ، ولكنهم لن يدخلوها إلا فاتحين ، فماذا نريد بعد ذلك من وضوح ، لنكون على يقين أن الحوار الذي نبحث عنه ما هو إلا ذر الرماد فى الأعين ليس إلا ، ولذلك يجب أن تكون المواقف السعودية أكثر قوة مع أمريكا باعتبارها الداعم الحقيقي للحوثيين ثم الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات قوية بحقهم .
إن الأفعى برأسين كما نتخيله فى الصورة لن نستطيع أن نقضي عليها إلا بقطع الأفعى من وسطها ، وضرب الرأسين ، ولن يكون ذلك كما هو معلوم إلا بفصل مقومات القوة العسكرية لكل طرف عن الطرف الآخر ، فينشغل كل طرف بالدفاع عن نفسه ، وأن تكون خيارات الحسم العسكري في كل منطقة من مناطق اليمن عند قيام هذين الفريقين بتفجير الوضع عسكريًا ، فيكون حينها التحرك مشروعًا ومدافعًا عن البلاد والعباد ، ثم عدم إعطاء أي فريق منهما حرية التنقل العسكري البشري ونقل العتاد العسكري من منطقة إلى منطقة ، لما كنا نعلمه سابقًا أن الحوثيين يقومون بفتح جبهة واحدة فقط ، ويعقدون صلحًا وقتيًا فى الجبهة أو المشتعلة أو الجبهات الأخرى ، وهذا ساهم في تحشيد كل أنصارهم جميعًا وفي مكان واحد ، حتى يتخلصوا من هذه الجبهة ثم ينقضون الإتفاقات والمواثيق مع من اتفقوا معهم – وما أسهل نقضها عليهم – ويبدأون المعركة الأخرى .. وهكذا ، ويعود ذلك إلى أن الحوثيين المدربين على فنون القتال ليسو بالأعداد الكثيرة ، وفتح أكثر من جبهة يجعلهم في حيرة من أي جبهة يبدأون ..
أن خيارات الحسم هذه المرة لن تكون سهلة على الحوثيين فيما إذا تم تجييش الناس وحشدهم ضد السرطان الإيراني الفارسي المجوسي ، فالكل كما نعلم أشد عطشًا لأن تكون الراية هو تحرير اليمن من التمدد الإيراني المجوسي والدفاع عن الدين الإسلامي من دخلائه القذرين ، كما لن تكون عبثية تسليم المعسكرات حاضرة هذه المرة ، بل سيكون قتالاً شرسًا يكون فيه الباطل زاهقًا مرتجفًا أمام قوة الحق الدامغة ..
دوفى الأخير نقول : أن خيارات الحسم لن تكون ناجزة ومحققة لأهدافها ما لم يتم تقوية فكي الكماشة – التي أشرنا اليها في مقالنا سابقًا ( الحوثيون بين فكي كماشة ) وهي المحافظات المحيطة بالمحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون ، وعدم السماح لهم بالخروج منها ، وإبقائهم تحت الحصار الخارجي والداخلي ، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا ، وقطع التعزيزات العسكرية ووسائل الإمداد لتكون كل المواقع مجزأة ، مشغولة بما هي عليه من الحصار ، ولذلك نرى أن أي تحرك من قبلهما نحو أي محافظة أو إقليم سواء كان إقليم عدن أو إقليم سبأ أو إقليم الجند ، فالأصل أن يتم تحرك قوى الخير نحو مواقعهما الإستراتيجية ، ولا أرى أفضل من خنق رأسي الأفعى ( عبد الملك + عفاش ) في صعدة وصنعاء ، وعملية الخنق معروفة لكل بصير ، وهي كفيلة بأن توقف الحرب التوسعية وإذعانهما وخضوعهما للحق ، ثم قطع صعدة عن عمران وحجة ، وقطع عمران عن صنعاء .. وقطع بقية المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيين عن صنعاء ، ثم الثورة الشعبية الشاملة في كل محافظة وموقع من الداخل ، والأمر فى الأساس يحتاج إلى مواقف أكثر جراءة فهي الكفيلة بإذن الله لإعادة كل فريق إلى عقله وصوابه كرهًا لا عن رضا ، أما غير ذلك فمعناه أننا نسير في سراب نحسبه ماء وهو ليس كذلك ...
وفى الجزء السادس والسابع إن شاء الله نتحدث عن الجيوش المشتتة الولاء والأحزاب الواهنة والحوار الأوهن.

                        علي بن ياسين البيضاني


في الإثنين 23 مارس - آذار 2015 10:06:51 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=41267