كوت في انتظار العدالة لصاحبه
فاروق الشعراني
فاروق الشعراني

عقداً ونيف من الزمن ،والكوت متكاً على هذه الشجر ،يصارع تقلبات الطبيعة  في هذه المنطقة  الخلابة  التي تكسوه  جمال الطبيعة ،رغم الأمطار الغزيرة  صيفاً، وحرارة الشمس  القاسية والبرد شتاءً والرياح  وغيرها من نعم الله سبحانه وتعالى، الا انه مازال صامدا كم وضعه صاحبه ،الذي غادرة الحياة في ليلة سوداء كما يسميها أسرته ،

أحمد علي ناجي الورافي 48عاماً ،متزوج ولديها 10ابناء ،من قرية ذي عقيب مديرية جبلة محافظة إب ، في مساء يوم 13-11- 2000م توجه كعادته الى مزرعته ،على مسافة 3كيلو متر من قريته ، لحميتها من السرق ،فكثير القريون يحرسون مزارعهم ليلاً ويحرثونها نهاراً ،ولن تجد مزرعة في اليمن الا وعلى مشارفها غرفة صغيرة يسكن فيها شخص أو أكثر بسلاحه الشخصي يبقى مستيقظاً حتى تشرق الشمس ،تسمى بالمحراس و يختلف الاسم من منطقة الى أخرى ، لكن هدفها واحد، وهو حماية المزرعة حين تكون محملة بالثمار ،كي يحصد خيراتها بعد عام من الرعاية والاهتمام والجهود التي يبذلها الفلاح في مزارعته ،

لو ذكرت اسم احمد علي الورافي في تلك القرية ،خصوصاً في مجالسهم ومقيلهم الحيوي المكتظ دوماً بالحاضرين ،فسوف تعيد الى اذانهم ذكرى مؤلمة ، وحادثة أفزعت ليس أقرباء وجيرانه بل مديرية جبلة بكاملها ومن سمع بها ، كان رجلاً مستقيماً هادئاً طيب القلب بسيط الحال ودوداً سخياً كريماً متواضعاً ،من بيته الى المسجد الى مزرعته لا ثالث لهما ،

أفنى حياته في مزرعته مصدر رزقة الوحيد ،يزرع فيها الفاصوليا والذرة والرومي والقات الذي له مكانه خاصة في اسواق محافظة إب ويعرف بالقات البلدي ، محاصيل وطني لها مواسم وتظهر في السنة مره او مرتين وتكتظ بالأسواق بسبب الحصاد الموحد ترخص اسعارها ،لتشتري كمية كبيرة بسعر زهيد ، لأنها تعتمد على الامطار بدرجة اساسية، وبعضها حسب اجواء المنطقة وتوفر مياهها وامكانيات المزارع ،

كان أحمد علي يبيع حصاده لشخص من ابناء قريته ،لأنه لا يجيد مراوغة البائعين ولا يتحمل عذاب الاسواق وعبث المتسوقين ، واصبح الرجل وزمرته المشتري الوحيد لحصاد الورافي وبعض الفلاحيين بالقرية ، وبالسعر الذي يحلو له ، واستمر الحال لمدة اعوام ،

في ذلك العام تغيير موعد الحصاد في مزرعة الورافي ،وتميزت ثمرته الفريدة عن المزارع المجاورة ،ويحسب هذا التميز للفلاح ودليل على انه رعوي لا يستهان به ،وجاء المحصول في توقيت مختلف عن السابق ،استعد القاتل الذي نصب نفسه وكيلاً للفلاحيين الضعفاء من اهل القرية، لشراء المزرعة ، وبنفس السعر الذي تعود عليها ، دون تميز ادرك الورافي ان هذا الرجل استغلالي وتحذيرات ونصائح اصدقائه صادقة وصحية ، رفض الطلب وقرر ان يقتحم السواق بنفسه بتشجيع محبيه واقربائه ،

 

فشتحن القاتل بالغضب والغيرة والحسد والحقد الدفين ، وفي الساعات المتأخرة من الليل ذهب مع بعض رفاقه الذين استجرهم لتنفيذ مخططه و فكرته الدنية وجريمة البشعة ، خلع احمد علي الكوت وعلقة على هذه الشجرة المطلة على مزرعته ، متنقلة في ارجائها بصمتاً وهدوء ولا يستخدم حتى الضوء ،والحجارة هي سلاحه الوحيد الذي يمتلكه ، اقتحموا مزرعته من عدة اتجاهات ،يرمي بالحجار هنا وهناك، لكن مفعولها انتهى امام خبث وقساوة وحقد العصابة الإجرامية ،

استمر في المقاومة حتى نفسه الاخير ،فقد اكد تقرير الطبيب الشرعي ان الضحية تعرض للعديد من الضربات بالإضافة الى طلقتين رصاص ،

يهتف احدهم قبل الظهر ،بان جاره قتل لتهرع زوجته وابنائه واقرباء وسكان المنطقة ، لا يجدون امامهم سوى جثة هامده حاملاً بيده كشاف ضوئي قد نفذ شحنه بعد رحيل روح صاحبه ،

ارتعب الناس من المشهد الذي وجدوه وسمعوا عنه ،وهي الحادثة الأولى والفريدة من نوعها تحصل في قريتهم ،خرج جنود المديرية وكل ضباطها ،اعتقلوا العشرات من اهالي القرية ونهبوا عدد من المواشي وتعملوا مع السكان بطريقة همجية ،وبعد الكشف عن هوية القتلة وتحويل القضية الى المحكمة ، واستناد القاتل الى شخصية اجتماعية متنفذة في المحافظة وكافة اجهزة الدولة ،مكنته من تعثير القضية والبت فيها ،ولا ادري لماذا يحظى المجرمين دائماً بمن يعينهم ويساندهم في اجرامهم ، بينما المظلوم يعجز احياناً عن توفير اجرة الموصلات ليتمكن من حضور جلسة المحاكمة او تصوير محضر جلسة ، سنوات معدودة قضها القاتل في السجن ،وبعد عشر سنوات حكمت المحكمة الموقرة بالدية التي لا يتجاوز 400الف ريال يمني ، فيما خسر عبدالله الابن الاكبر للمرحوم وإخوانه أكثر من 5مليون ريال يمني في اروقة الدولة ،ناهيك عن عنائهم وسهرهم وتعبهم وحزنهم ، مباحث ونيابة وتشريح ولجان لمعاينة مكان الحادث ونقل الشهود واتصالات وموصلات ومحكمة ومئات الجلسات ، ليحصدو حكماً بمبلغ لا يساوي قيمة علب الماء التي شربها عبدالله وهو يتابع قضية والده في الدوائر الحكومية ،او يغطي تكاليف المناديل التي مسحت دموع أسرته ،  وكأن أبيه هوالمعتدي والقاتل وليس الضحية ،هكذا ينتهي المطاف بالمظلومين الذين يلجؤون الى الدستور وتطبيق القانون ،ويبحثون عن العدالة والانصاف من القضاء اليمني ،ولم تجني منه الا حكماً يحتاج الى مئات السنين حتى ينفذ ،اوتخرج بملف يحتوي على مئات المحاضر والجلسات والتوجيهات والشهادات ومتروس بالتوقيعات والبصمات ،

مات الورافي في ارضه التي سخره طاقته وعزيمته لخدمتها ، على ايدي الغدر والخيانة الجبانة ،وتبخرة طموح ابنائه في تحقيق العدالة وانصافهم ،وذهبت قضية ادرج الرياح ، و القتلة يسرحون ويمرحون واصبحوا اليوم هم المستفيدون ، وبقي الكوت راسخاً في انتظار صاحبه الذي تركه قبل 14 عاماً ،وكأنه يقول لن ابرح مكاني حتى تحقق عدالة السماء .


في الجمعة 04 يوليو-تموز 2014 03:18:20 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=40072