الرئيس هادي و معادلة جديدة للحكم
د.صالح الحازبي
د.صالح الحازبي

لطالما كان شعور "الرئيس التوافقي " يحاصر الرئيس هادي ويشعره بالعجز وعدم القدرة التحرك و استخدام صلاحياته كرئيس فعلي، شعور كان يحتم عليه أحياناً السكوت وغض الطرف وأحياناً محاولة استرضاء كثير من الأطراف حتى تستمر معادلة التوافق. مع مرور السنتين الماضيتين كان هناك العديد من المتغيرات الداخلية والخارجية التي شجعت هادي لمحاولة تغيير معادلة الحكم وتجاوز كبت التوافق.

أدرك هادي أنه لتغيير المعادلة لا بد من بناء فريقه الخاص الذي يمكنه الوثوق به لا سيما و هو يشعر بأنه وحيداً وسط ثعابين السلطة ومراكز القوى في صنعاء و طالما وجد نفسه يتأرجح بين الأطراف المختلفة، ولذلك بدأ بمحاولة الاستفادة من الفاعل "الجنوبي" كعامل جديد في المعادلة محاولاً إعادة توجيه بوصلة الحراك الجنوبي وكانه ينادي على قياداته المتصارعة " لو أنكم لي قوة لآويت الى ركن شديد و لحققنا ما هو أكبر ما تتطلبون".

استغل الرئيس هادي تأزم الوضع المعيشي وانعدام المشتقات النفطية وتضجر المواطنين و كانت بمثابة الفرصة التي اراد بها الرئيس ان يتخلص من الشعور" التوافقي" . يعرف هادي صعوبة تغيير الحكومة كلها دون اللجوء الى مشاورات صعبة لاعادة التشكيل ولذلك فاجأ الجميع بتعديل وزاري كان الهدف منه التأكيد على تغير معادلة الحكم بدخول الرئيس نفسه كقوة قادرة على مبادئة الفعل لا مجرد التوفيق بين المؤتمر والمشترك، و كان واضحاً أن التعديل الوزاري فاجأ جميع الأطراف بل حتى بعض الذين تم تعيينهم ومنهم وزير النفط الذي اعتذر عن قبول الوزارة.

 حقق هادي من هذا التغيير كثيراً من الأهداف لصالح بناء معادلته الجديدة، فقد تخلص من وزير الخارجية القربي باعتباره أحد رجالات صالح المخلصين وتخلص من صخر الوجيه في المالية باعتباره رجل المشترك الذي لا يملك عليه السلطة الكاملة في وزارة المالية والتي هي من أهم الوزارات الفاعلة في معادلة الحكم في اليمن، ومما لا شك أن أي وزير سيأتي به هادي سيظل متذكرا أن هادي هو من أتى به وما عليه إلا أن يكون كخازن بيت المسلمين ينفذ أوامر الوالي. ولكي يمتص هادي غضب الشارع من وزير الكهرباء كان لا بد من تغييره فاستغلها هادي ليضع الإصلاح في الواجهة مباشرة مع مشكلة الكهرباء والتي يدرك الجميع أنها مشكلة أمنية أكثر من كونها مجرد مشاكل فنية، ولكي يبلع الإصلاح هذا المقلب كان منصب نائب وزير الإعلام هو الترضية المناسبة. أما التغيير في وزارة الإعلام فقد أراد هادي منه إبعاد مدير مكتبه نصر طه ، فهادي يعرف جيداً أنه لا بد للرئيس الفعلي من مدير مكتب يكون أحد رجالاته الثقات المحسوبين عليه، الذين يهمهم دور الرئيس كفاعل حقيقي يمسك بزمام السلطة.

كانت الرسائل التي وجهها الرئيس هادي لصالح من خلال إغلاق قناة اليمن اليوم مفادها أن الواقع في اليمن اليوم متغير تماماً عما كان عليه قبل سنتين من الآن، وأن المعادلة اليوم دخلت فيها متغيرات كثيرة، أهمها الدعم الدولي الذي يعتمد عليه هادي من أجل الحفاظ علي البلاد من الانهيار. وبالمثل كانت الرسالة الموجهه َ للحوثي عن طريق ضربات الطيران مفادها أن تجاهلكم التام للرئيس ودوره في الشأن الداخلي غير مقبول فهو قادر على إرباك الوضع بالنسبة لكم على الأقل في المرحلة الحالية.

يمتلك هادي العديد من المقومات التي تساعده على تعزيز نفوذه كرئيس فعلي يكون قادراً على العبور في البلاد نحو الإستقرار. أهم هذه المقومات هو الدعم الداخلي النابع من شرعيته كرئيس وذعر الناس من انهيار البلاد ومزيدأ من المشاكل السياسية والأمنية والإقتصادية. كما أن الدعم الخارجي الذي يحظي به هادي لإخراج اليمن من عباءة الدولة الفاشلة يمكنه من استخدامه لتجريم أي مناوئ له وملاحقته دولياً ، لكن استثمار هذه المعطيات يجب أن لا يكون لبناء نفوذ شخصي أو مناطقي وإنما لوضع لبنات المعادلة الجديدة التي تعطي الأمل للناس بحدوث تغيير حقيقي في طريقة ادارة هذه البلاد وإعادة توسيع مقومات السلطة على كل أرجاء الوطن وليس مناطق محددة. وفي هذا الطريق لا بد من إدراك المخاطر في هذا الطريق وأهمها إشعار المواطن بتحسن ولو بسيط في الوضع المعيشي، مالم فانه مع مرور الوقت سيصبح هادي أيضاً مسؤولا في نظر الناس عن ذلك ولن يكون النقد موجهاً فقط للحكومة بعيدأ عن الرئيس كما هو الحاصل حالياً. أيضاً سيحاول أعداء هادي مستقبلاً اللعب على وتر الشمال والجنوب في محاولة لحشد كل مراكز القوى حتى المتصارعة حالياً ضده وهو ما يحتم عليه أن يتعامل كرئيس لكل اليمنيين لكي يفوت مثل هذه الفرصة على المتربصين به.


في الخميس 19 يونيو-حزيران 2014 08:26:27 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=30035