الشارع مقطوع
صدام أبو عاصم
صدام أبو عاصم

أحد الذين قطعوا شارع الزبيري - أمس - تحدث معي بلطف، فيما كان الآخر نزقًا، وهو يتجاهل تدخلاتي اللفظية لإصلاح ذات البين. فبنبرة حادة، حاول الرجل الإربعيني إقناعي وأنا أمثّل دور المصلح، بأن أمضي باتجاه أموري الخاصة، وأن أدع الفضول، وأتركهم يواصلون قطعهم للشارع الرئيسي في العاصمة صنعاء، حتى تأتي الحكومة وتحل مشكلتهم مع من قالوا إنه سرقهم قيمة تأشيرات الحج.

عادةً، تستغرق المسافة التي أقطعها من شارع هائل إلى جسر الصداقة في الزبيري من خمس إلى عشر دقائق، فيما احتجت - أمس - إلى ما يزيد عن ساعة كاملة لأقطع ذات المسافة.. والسبب أن عشرات الأفراد نفذوا قطاعاً في شارع الزبيري أمام وكالة الهاشمي للسفريات والسياحة والحج والعمرة، للمطالبة بمبالغ مالية قالوا إنهم سلموها للوكالة بغرض الحصول على تأشيرات الحج هذا الموسم، لكن الوكالة لم تفِ بشيء ولم تُعِدْ لهم مبالغهم.

لقد أحدث هذا القطاع الذي استمر حتى الظهيرة، إرباكًا في السير، وغيّر اتجاه المركبات، وخلّف فوضى عارمة تشكلت إثر أزمة مرورية خانقة، مما دفع بالبعض من الفضوليين كـ أنا، إلى النزول إلى مكان القطاع وإقناع منفذيه بأن يفتحوا الخط أمام الناس المشغولين بتحركاتهم وأمورهم الخاصة. لكن لم يفلح أحد من المصلحين أمام تعنت أفراد متنوعة أعمارهم، ويبدو من ملامح وجوههم المرهقة أنهم مظلومون فعلاً.

لم أستغرب لحال هؤلاء الذين اقترح عليهم بعض الحضور من الناس العاديين بأن يتجهوا نحو وزارة الأوقاف التي تتحمل مسؤولية مراقبة الوكالات، لكن ما كان باعثًا على الاستغراب والاستياء هو وجود أفراد أمن وشرطة - أمس - بجوار مكان القطاع. وقال أحد المحتجين: إنهم سئموا حتى من موقف رجال أمن المنطقة الذين لم يقووا على اتخاذ أي إجراء تأديبي يوحي بإعادة مبالغهم.

لم يكن بوسعي سوى قطع حالة الفضول، ومغادرة المكان بشرفي، وباستيائي وسأْمي من كل شيء. ذلك أن بمقدور الجهات المختصة كوزارة الداخلية؛ أن تنتصر للشارع المدعوس دوماً من الجميع، ظالمين ومظلومين؛ بإمكانها أن تنتصر للمواطن البسيط، وللمظلوم العادي الذي يريد التحرك ليقضي حاجياته اليومية، لكنه عادةً ما يواجه بمشكلة تتجدد كل يوم، اسمها "الشارع مقطوع".

لاشيء في اليمن، أكثر مظلومية من الشارع - ابن الشارع - الذي يدعسه الجميع دونما خجل، يدسون فيه قاذوراتهم المادية والمعنوية، يرمون عليه مخلفات طبائعهم المشينة والمستهجنة، يقطعونه بالأحجار والأتربة والقواطع الإسمنتية في الأفراح والأتراح.. القبائل المسلحة تنتهك حرمة الطريق غير مرة للمطالبة بتسليم قتلة أو بحصتها من الوظائف، وموظفي الدولة يخرجون للشوارع للمطالبة بإكرامية أو برفع الحافز، وأهالي الأعراس ينصبون خيامهم للبرع والغناء، وثمة مظلومون يقيمون ساحاتهم الاحتجاجية في الشوارع؛ طلبًا للإنصاف؛ والأحزاب تتعدى علي شوارع رئيسة لتحتفي بتأسيسها أو بعيد سبتمبر، كما فعل حزب الإصلاح المحترم قبل أيام في شارع بغداد بصنعاء.

في اليمن، تجد هناك انتهاكات كثيرة بحق الشوارع والطرق، ينفذ هذه الانتهاكات أناس كثر من كل الشرائح والفئات، بمن فيهم أحباب الله وأعداء الله، المحبون للوطن والكارهون له أيضًا.. يقطع الشوارع في مدننا، من يطمح بأداء فريضة الحج، ويقطعه المصلون أيضًا، حتى الثوار وأنصارهم كان لهم نصيب في "دعس" الشوارع، والبلاطجة ومؤيديهم بأنواعهم - أيضًا - لطالما مارسوا غواياتهم في الشوارع. باختصار.. إننا - جميعاً - للأسف، متورطون في انتهاك حرمة الطريق حتى أصبحت بالنسبة للبعض تبدو كثقافة لصيقة بأخلاقنا وبشهامتنا.

s.asim84@gmail.com


في الخميس 03 أكتوبر-تشرين الأول 2013 06:05:11 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=22277