شركاء الحرب يعيدون تحالفهم من جديد
محامية/ليندا محمد علي
محامية/ليندا محمد علي

في العام 1996 وفي حديث تلفزيوني لإحدى القنوات الفضائية العربية، شارك فيه الأستاذان علي صالح عباد مقبل الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، واللواء محمد اليدومي الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح والضابط الكبير في الأمن السياسي اليمني، كان المناضل مقبل يطرح بأن الاستمرار في التمسك بنتائج حرب 1994م سوف يقضي على الوحدة اليمنية، لكن اللواء اليدومي رد عليه بأن على الذين يحلمون بالانفصال أن يعوا أن أحلامهم لن تتحقق، وأضاف، سنهجر خمسة مليون مواطن من الشمال وسيتزوجون من جنوبيات وينجبون أبناؤهم وسيقيمون ويبنون مساكنهم، في محافظات الجنوب لضمان ترسيخ الوحدة والحفاظ عليها.

هذه الحادثة لم تكن مجرد مشاكسة كلامية بين متحاورين، بل كانت سياسة رسمية اتبعتها السلطة وتمثلت في جملة من الإجراءات الممنهجة أهمها التضييق على المواطنين الجنوبيين واستبعادهم من أعمالهم، والإتيان بموظفين شماليين بديلا عنهم، اعتماد عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة في محافظات الجنوب وعلى حساب حصص تلك المحافظات لأبناء المحافظات الشمالية، تضييق فرص العيش على مواطني الجنوب من خلال اتباع سياسة التطفيش والإفقار ودفع الغالبية إلى الهجرة بحثا عن حياة أقل ذلا ومهانة، وترافق مع نهب الأراضي الجنوبية، وهي بآلاف الكيلو مترات، تمليك مئات الآلاف من الوافدين أراضي مجانا لتمكينهم من بناء مساكن ومنح الكثير منهم شهادات ميلاد جنوبية، وإذا ما أضفنا إليها سياسات القتل العمدي المباشر من خلال مواجهة الفعاليات السلمية، وغير المباشر من خلال نشر الأوبئة والمخدرات ومواد الإدمان بين الشباب، وهم بمئات الآلاف فإن كل هذه الممارسات وغيرها إنما جاءت لتؤكد أن ما ورد على لسان أمين عام حزب الإصلاح الشريك الرئيسي في حرب لم يأت من فراغ ولم يكن زلة لسان جاءت من سياسي عديم الخبرة بل كانت تعبيرا عن سياسة ممنهجة اتبعتها السلطة طوال أكثر من عشرين عاما وما زالت تمارسها حتى اليوم، وليت المستفيدين منها كانوا من المواطنين البسطاء من أبناء الشمال، بل إنهم على الأغلب إن لم يكونوا جميعا من ضباط ومخبري الأجهزة الأمنية (الشمالية) بعد أن تم تصفية المنتميين إلى جهاز أمن الدولة والأمن العام الجنوبيين.

اليوم تعود اللوحة إلى الانكشاف من جديد، فمع اقتراب موعد انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني الذي علق عليه بعض الجنوبيين واليمنيون عموما آمالا كبيرة للخروج باليمن من أزماتها المزمنة، يعود التحالف من جديد بين شركاء الحرب، بغرض تعطيل أي نتائج يمكن أن يخرج بها الحوار الوطني لحل القضية الجنوبية الحل العادل الذي يجعل المواطنين الجنوبيين يشعرون بأنهم جزء من هذا الوطن وليسوا مجرد زائدة دودية يمكن استئصالها والتخلص منها وقت الحاجة.

الذين كانوا يكثرون من الحديث عن القضية الجنوبية كانوا يخادعون الجنوبيين بهذه العبارة المطاطة لكنهم كانوا يضمرون التمسك بنتائج الحرب وعدم التزحزح عنها قيد أنملة، . . . وهاهم اليوم يعيدون تحالفهم من جديد باسم الحفاظ على الوحدة وهم يعلمون أنهم قد قضوا عليها يوم إن حولوها إلى أداة للنهب والسلب والإثراء غير المشروع.

إنهم يختلفون في كل شيء وقد يتقاتلون ليس من أجل الشعب بل يقتلون الشعب من أجل التنازع على المصالح، السياسية وغالبا المالية والاستثمارية، لكنهم يتحدون من جديد عندما يتعلق الأمر بالجنوب، ذلك المستودع الدسم المليء بالغنائم والثروات ممن لا أهل لها، وقد استباحوها مكافأة لأنفسهم على النصر المؤزر الذي حققوه على الشعب بالقضاء على مشروعه النهضوي الذي وأدوه ليستولوا على خيرات الشعب وثروات الوطن.

لا أدري هل يخجل هؤلاء عندما يقولون أنهم لن يفرطوا بالوحدة اليمنية وقد فرطوا بها في العام 1994م، وحولوها إلى سلم للعبور بواسطتها إلى عوالم المال والأعمال، ودخول قوائم المليارديرات، وهم لا يتقاضون إلا المرتبات التي تمنحهم الدولة.

إنهم يتحدثون باسم الوحدة وهم منها براء، لأنهم لو كانوا حريصين حقا على الوحدة لما سمحوا بتحويلها إلى وحدة من طرف واحد، إنهم يريدون الوحدة مع الجنوبيين بالإكراه، ولذلك يرفضون منح الجنوبيين الاستفتاء على البقاء في الوحدة أو الذهاب إلى الفيدرالية الثنائية أو العودة إلى نظام الدولتين، الشقيقتين الجارتين ،هم لا يفعلون ذلك حبا في الوحدة (بعد أن قضوا عليها وأفرغوها من مضمونها) بل حبا في المليارات التي يجنونها سنويا بل وشهريا من خلال نهبهم للجنوب واستخدامه كمشروع استثماري ليس إلا.

الوحدة بالإكراه لن تستمر حتى لو استخدمت فيها كل وسائل القمع والإرهاب والترويع، لأنهم لا يواجهون أفراد أو جماعات منعزلة عن بعضها بل يواجهون شعب يأبى الضيم، ويتصدى للطغيان ويقاوم الاستبداد مهما كان شكله ولونه، لكنها (أي الوحدة ) كان يمكن أن تقام على أساس القناعة المشتركة بين شريكين متكافئين وليس بين سارق ومسروق.

ليت هؤلاء يعلمون أن الوحدة المضطربة هي أخطر وأسوأ من الانفصال الآمن والمتوافق عليه، وإذا لم يقتنع شعب الجنوب بسياساتهم، وهو أصلا رافض لها منذ اليوم الأول، فإن الإصرار على إجباره على التوحد معهم بالإكراه، ليس سوى عمل أشبه بالإصرار على بناء قصر من الرمال لا يلبث أن يذهب مع أول ريح لافتقاده لمقومات البقاء والتماسك.

وأخيرا إنني أغتنم فرصة وجود المبعوث الأممي في اليمن جمال بن عمر لأتوجه إليه وإلى سفراء الدول الراعية للتسوية السياسية، للمطالبة بتشكيل لجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق حول عملية التطهير التي تعرض لها الجنوب على مدى أكثر من عقدين من الزمن، هذه السياسة التي مثلت انتهاكا صارخا لمواثيق حقوق الإنسان، وأهمها الحق في الحياة الآمنة والكريمة، والبحث في سياسة التهجير والاستيطان التي تعرض لها الجنوب من قبل أفراد وضباط ومخبري السلطة، وكشف الحقيقة للعالم كله وللشعب اليمني الذي يزايدون عليه ويخدعونه بالقول بأنهم حريصون على وحدته وهم لا يحرصون إلا على مصالحهم غير المشروعة التي حققوها من نهب الجنوب بعد أن أكملوا نهب الشمال.


في الخميس 19 سبتمبر-أيلول 2013 05:17:03 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=22103