الدرونز ..البطل الشرير في الحرب السرية في اليمن
سارة عبدالله حسن
سارة عبدالله حسن
  من الخطأ أن نساوي في تحميل المسؤولية واللوم على انتهاك سيادتنا الوطنية من قبل طائرات الدرونز الأمريكية (طائرات بدون طيار ) بين الرئيس السابق والرئيس عبدربه منصور .. فقد كشفت الأيام عن ان صالح كان سبباً في تنامي ودعم انتشار المشروع القاعدي في اليمن و كان من المثير للسخرية قوله في احد اللقاءات الإعلامية معه انه لا يعلم شيئا عن هذه الطائرات !!

بينما الرئيس الحالي وجد نفسه أمام كابوس تنامي القاعدة في اليمن عاجزاً عن استئصاله بقوة و فاعلية في ظل ارتكانه على جيش منقسم لم يكن ولاء جزء كبير منه للوطن بقدر ولائه لأشخاص وقبائل معينة، كما ان جزءا من الجيش(و الذي قيل ان اللواء مقولة كان من يقوده) كان يحارب في أبين في صف القاعدة وهو الأمر الذي كان السبب في فشل الكثير من الحملات التي كانت تشنها الدولة هناك.

كيف نلوم الرئيس عبدربه عندما يجد نفسه مضطراً - أمام هذا الاختلال في جيشه - أن يقبل استمرار تدخل الطيران الأمريكي في محاربة القاعدة، ففي هذه الحالة ستكون اليمن أمام خيارين إما ان نتمسك بخيار الحرص على سيادتها الوطنية و تواجه القاعدة بجيشها المنقسم الضعيف و بالتالي قد تعجز عن القضاء عليها واما ان تستعين بالمساعدة الأمريكية وتترك المجال للدرونز لتفعل ما تشاء و الوصول الى النتيجة التي بدأت تلوح ايجابياتها في انحسار تنامي قوة القاعدة و عودة سيطرة الجيش اليمني على كثير من المناطق التي كانت بيدها .

لكن في حسابات الربح والخسارة فان اليمن تخسر أيضاً وأمريكا تخسر كذلك ... فايجابيات الاستعانة بالبرونز التي يعلمها الكثيرون تصبح غير مرغوب فيها عندما نطلع على سلبياتها التي يعرفها قليلون جدا من ابناء الشعب منهم أقارب الضحايا الأبرياء الذين سقطوا بسبب أخطاء ارتكبتها هذه الطائرات .

فأخطاء هذه الطائرات لم تقف عند ضحايا المعجلة الذين بلغ عددهم 52 بينهم نساء و أطفال بل لازالت مستمرة في مناطق مختلفة من اليمن و حتى اليوم آخرها كان اغتيال الشيخ حميد الردمي الذي عرف في منطقته انه كان مصلحاً اجتماعياً لا علاقة له بالجماعات الارهابية كما أنه كان يعيش و يسكن قريبا من المركز الأمني للمنطقة بحيث انه كان من السهولة القبض عليه و التحقيق معه ان كان هناك تهمة موجهة ضده، نفس الشئ ينطبق على الإمام سالم بن جابر في حضرموت و هو الذي كان يحارب فكر القاعدة و ينبذ التطرف و الذي استدرج بخدعة للخروج من المسجد بعد صلاة العشاء و الذهاب لمحادثة شخص غريب أصر على التحدث معه رغم عدم معرفته السابقة به قرب سيارة فيتارا كانت واقفة بعيداً من المسجد، و ما ان وصل اليها حتى أتت الدرونز وقامت بقصفه ومن معه؟؟

هذه الحوادث تجعلنا نتساءل هل الدرونز تقتل ارهابيين حقاً أم انها صارت تقتل أيضاً بمزاج من يزودونها بالمعلومات الخطأ، فتصبح أداة لتصفية حسابات شخصية لا علاقة لها بالقاعدة، بل على العكس فانها أحياناً تصيب أهداف يعد تصفيتها انتصارا يحسب لصالح القاعدة، كما حدث عند ضرب المبنى الذي وجد فيه حوالي أربعين شاب من البيضاء كانوا قد انضموا للقاعدة و عندما اكتشفوا انهم أصبحوا أداة بيدها لقتل أخوانهم اليمنيين انسحبوا واتفقوا مع الأمن اليمني ( بضمانة قبلية ) أن يعودوا لحياتهم الطبيعية في مقابل ترك العمل مع القاعدة وتزويد الأجهزة الأمنية بمعلومات و أسماء من تنظيمها ، لكن ما حدث ان طائرة أتت لقصفهم بالكامل في الليلة التي سبقت توقيعهم لهذه الاتفاقية في حين نجا من هذا القصف - كما قيل - صاحب المنزل ومعه صديق مصري كانوا من أعضاء القاعدة الذين لم ينضموا للاتفاقية وكانت نجاتهم بسبب خروجهم من المنزل قبل قصفه، فهل كان ذلك مجرد صدفة أم انهم كانوا الواشين، الأمر الذي يضعنا أمام أسئلة عديدة ؟؟ هل صارت القاعدة نفسها في بعض الأحيان تنتقم من المتمردين عليها و تصفي حساباتها عبر الدرونز؟ وما هي الآلية التي تستخدمها مراكز المعلومات التي تدير الدرونز؟؟ هل مصادر معلوماتها فعلاً أشخاص موثوق بهم أم ان منهم ممن يمكن شراؤهم من قبل القاعدة أو لازالوا يدينون بالولاء للمخلوع ومن مصلحتهم ان تفشل هذه العمليات و تغرق في وحل السمعة السيئة بقتلها للأبرياء؟

في احدي عمليات الدرونز في أبين سقطت الطفلة وفاء بجاش ابنة العشر سنوات، انها مجرد طفلة ؟ ترى ما كان دورها في تنظيم القاعدة ؟ هل كانت احدى قياداته مثلاُ أو كانت مجرد عضو مقاتل فيه أو قتلوها مثلا لانها كانت من المشجعين ؟؟ هل من مسؤول يخبرنا لماذا قتلت الدرونز الطفلة وفاء؟

في منطقة خولان سقط عدد من شباب الثورة الذين كانوا يرفعون صور هادي في بعض مسيراتهم في العاصمة، إيماناً منهم انه سيقود يمننا الجديد نحو الأفضل.. سقطوا بضربة درونز وهم يقودون سيارتهم في الطريق الى قريتهم والجميع يعلم ان هؤلاء الشباب قد شاركوا في الثورة الشبابية السلمية دون استخدام أي سلاح، فقط ليحققوا حلمهم في وطن آمن حر و مستقر!!

وعند الحديث عن الخسارة الأمريكية في اليمن فهي أكبر بكثير من قيمة الصاروخ الواحد الذي تبلغ قيمته 60 الف دولار ( الطائرة تستطيع قذف صاروخين في كل ضربة ) ففي مداخلة دقيقة و عميقة استمعت لها بالامس من الأستاذ عبدالوهاب الحميقاني الأمين العام لحزب الرشاد و ذلك عند حضورنا لملتقى المدينة الذي دعت له منظمة ريبريف المعنية بهذا الموضوع ، لقد قال الحميقاني ما معناه: ان هذه الهجمات الأمريكية التي يسقط فيها الأبرياء تؤدي الى ثلاث نتائج لا يمكن إغفالها : أولاً شرعنة الحرب ضد أمريكا، ثانيا: إيصال مفهوم يرسخ في المواطن بأنه لايوجد دولة في اليمن وان سلطة بلاده عاجزة و فاشلة ، ثالثاً : اسقاط مشروعية القيم والمواثيق الدولية في ذهنية المواطن اليمني .

فهل تعي دولتنا أي خسارة تخسر هنا وهل تعي أمريكا معنى ان تخلق لها العداء لدى أهل الضحايا الأبرياء و لدى أبناء الشعب اليمني مما يجعلها تعمل بنفسها لشرعنة القتال ضدها !!

لقد كنت من الذين يقللون من مساؤى استخدام الدرونز، كنت أقول ان خطر القاعدة أكبر من ان نمتنع عن استخدام أي سلاح لمحاربته خاصة بعد رفضها للحوار مع الدولة و الكشف عن تعاون قطاع كبير منها مع الرئيس السابق لتدمير البلاد وزعزعة أمنه و استقراره، لكن عندما نرى انها صارت موجهة للأبرياء دون حساب وعقاب، الأمر الذي شجعها على ارتكاب المزيد من الأخطاء و سقوط الكثير من الأبرياء ، عندما نعلم ان أطفالنا ونساءنا في حضرموت والبيضاء و مأرب و مناطق أخرى لا يستطيعون النوم من الخوف بفعل أزيزها المستمر ليلا و نهارا فوق سمائهم، عندما أصبحت شرائحها متاحة لمن يريد استخدامها في تصفية حسابات شخصية، لابد من أن نراجع نحن عندها حساباتنا و تراجع الدولة حساباتها ففي حين ان مسؤوليتها هي فرض سيادتها من قبل و من بعد ، فان كل المبررات أيضاً أصبحت الآن ضعيفة للاستمرار في التعامل مع الدرونز خاصة بعد قرارات الهيكلة الأخيرة للجيش اليمني و التي تعد لتأسيس مؤسسة عسكرية تقوم على أسس وطنية وعلمية يكون ولاءها للوطن و الدولة و حسب .

عندما ستقرؤون هذا المقال سيكون فريق نشطاء من أجل اليمن - و هو فريق كونه عدد من الناشطين الأحرار من شباب الثورة في بلادنا - قد قام بوقفة اليوم الاثنين أمام السفارة الأمريكية في صنعاء احتجاجا على هذه الحرب التي تقودها البرونز في اليمن منتهكة بها سيادتنا الوطنية و كان ناشطون يمنيون ومعهم ناشطون أمريكيون قد قاموا من قبل بوقفات مماثلة في أمريكا وكذلك في بريطانيا وهم متواصلين أيضاً مع الناشطين في اليمن في إشارة الى ان الشعب اليمني لم يعد يقبل استمرار هذه الانتهاكات فاليمن اليوم لم تعد هي يمن الأمس وهذا ما يجب ان يفهمه الجميع .


في الإثنين 29 إبريل-نيسان 2013 07:20:40 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=20202