تُركيا الصديقة , تُركيا الثورة
جلال غانم
جلال غانم

الفاتح العُثماني الجديد مازال يعيش بعقلية الفاتح العُثماني القديم , يُحاول فك طلاسم الأبواب الموصدة وإن أدت تلك الأبواب إلى تلغيم الشُعوب وتفخيخها , نشر الإسلام السياسي المُسيل لــ اللعاب , والمفطور بين أردوغان وعلمانية الدين والدولة .

فمازال يرى في شُعوب المنطقة غنيمة جديدة يلعب على أوراقها نتيجة الفشل الذريع في السياسات التي أتخذها مع اتحاد اليورو الأوروبي في عملية الاندماج الكُلي وتراجع حُظوظه في ذلك .

نرى اليوم هذا الناشئ الجديد على الساحة اليمنية يُبهرنا بكرمه الزائد بإرساله لشُحناته المُتعددة من الأسلحة لـــ لاعبين جُدد على الساحة الوطنية بطُرق رسمية وغير رسمية لينقشع سياسة هذا المارد الأحمر الذي فضل أن يدخل البلد على صوت بُندقية حمقاء وقارح يهواه هذا اليمني مع ازدياد حدة الاضطرابات بين الجماعات الإسلامية التي ترى قوة التسلح في وقت خاوي كهذا هو السبيل الأوحد لمواجهة أي خطر قادم لسُلطة الخصم الآخر .

اليمنيين شعب ربهم أعطاهم كرم حتى في التسامح مع من يقتلهم ومن يرسل لهم أدوات الموت ليلا ونهارا وما زالوا يرون في هذا الأحمر لاعب أساسي في ترويض حُمى السياسة المقتولة والمنهوبة بين قيعان قوى تتضارب فيما بينها لإيجاد قاعدة لانتشال البلد وقتلة بطُرق أكثر إماتة .

من يجرؤ اليوم من اللاعبين السياسيين أو الخطاب الرسمي الوطني أن يتحدث عن الصفقات المشبوهة وإلى أي الأطراف السياسية تُمول !

كُل ما نراه أمامنا سوى تصريحات للسفير التُركي بان الشُحنة الأولى كانت في الخطاء وبُطرق غير رسمية تليها الثانية والثالثة وهذا ما ظهر لوسائل الإعلام وما خفي كان أعظم ولا نعرف ما القادم من هذه الشُحنات في الأيام المُقبلة .

يُخاطبنا السفير وكأننا دُمى لا تقوى على ألاستيعاب وأن عليها أن تتقبل الواقع كما هو بان ما يحدث خارج عن سيطرة حُكومته المُوقرة ويسيل لُعاب اليمنيين برحلات مفتوحة بين البلدين دُون فيزا تُذكر كما يُخيل لهذا الشعب المُسكين بان حُلمة بالاغتراب حتى عند العُثمانيين .

نحن شعب بلا إرادة , ثورة بلا قاعدة فكرية تستند عليها , تُصدر أزمات الوطن كمُحاولة لإيجاد الحُلول لها بطرق مُضادة لا تنفع إلا للمُناطحة وإيجاد طبين سياسي جديد نلعب عليه في كُل أزمة نمر بها كي نتكئ على قُبح لا ينتهي إلا بمصالح أفراد بعينهم وجماعات همها الأول والأخير التعامل مع الآخر بمنطق العُنف المُضاد والذي لا نستوعبه إلا بدخولنا في أزمة جديدة كي نكتشف أوراق اللاعب السابق .

من يجرؤ اليوم على مُخاطبة تُركيا الصديقة , تُركيا الثورة بأن اليمن ليست كُردستان , اليمن ليست بحاجة إلا أوهام بالشراكة والاستثمار وبناء دولة إسلامية مفجوجة لا تعنى سوى إمبراطورية عصرية قائمة على القمع والاستفراد بالحُكم .

كُنا نتمنى من كُل شحنة تأتى الموانئ اليمنية المفتوحة على مصراعيها أن تكون مُحملة بالتوابل التُركية المشهورة أو بالفُستق والسُجاد لا أن تأتي مُحملة بمئات الآلاف من قطع الأسلحة التي لا يرضى عنها أي يمني مهما كان لونه وجنسه وشكله ونوع القضية التي يحملها والدين والهوية التي يبحث عنها .

لا نريد اليوم أكثر من تُركيا صديقة من الأعماق وليست صديقة في الخطابات الواهمة وقاتلة من وراء ظُهورنا , تُركيا وطن وأمة عظيمة لا نُريد مزيدا من القُبح بتعامل سافر كهذا , ولا نريد كذب مُقنن على مقاسات جماعات بعينها كي يُحولوا اليمن إلى إسطنبول جديدة لأننا شعب لا نستوعب إلا قبض الزناد والمُزايدة علينا حتى في الصفقات المشبوهة نفسها .

أي بلد يُفكر بجرنا إلى مُربع تحالفات موت جديدة أيا كان شكله ولونه والبجاحة التي يتمتع بها يجب أن يعي جيدا أننا شعب قد شب عن طوق الغباء وبدأنا نعي جيد أن الكرامة والسيادة الوطنية أهم من بناء علاقات ناقصة تعود بالضرر على بُلداننا .

ولسنا بحاجة إلى أي تجربة جديدة لا إسلامية (شيعية وسُنية) ولا غربية تُجرنا فقط إلى لملمة أذيال الخيبة وبث الكراهية بين أبناء هذا البلد الذي أصبح حقل تجارب للآخرين والتقلد بهم نتيجة انعدام الرؤية الوطنية الثاقبة القائمة على حماية المصالح العُليا للبلد وبناء نظام ديمقراطي يُنادي بتحرير البلد من مُتنفذيه ومن الفاسدين ورجال الدين والقبيلة الذين حولوا البلد إلى مسرح للجريمة والعبث والموت المُباح والمجاني .

Jalal_helali@hotmail.com


في الإثنين 28 يناير-كانون الثاني 2013 04:21:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=19012