كيف يواجَه الحوثيون في اليمن؟!
فيصل بن علي البعداني
فيصل بن علي البعداني

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

قلت لأحد مشايخ اليمن الفُضَلاء: ألا ترى أن الرفض في اليمن قد تمادَى في ظل الظاهرة الحُوثية، وأنه قد يقود إلى تغيير التركيبة العَقَدية والمذهبية للمحافظات اليمنية الشمالية، وقد كان أبناء تلك المحافظات منذ القِدَم هم أصحاب الشوكة في حكم اليمن، وإلى اليوم ما زالوا هم العنصر الفاعل في قيادة مسيرته، وهو ما قد يجرُّ - لا قدَّر الله تعالى - إلى تمكين المُخَطَّط الإيراني من تمتين الاثني عشرية هناك من خلال جارودية اليمن[1]، وإلى تحقيق هدفهم الأكبر المتمثِّل في بسط النفوذ، وإثارة الفوضى والقلاقل في جنوب جزيرة العرب، واستكمال أحد الأجزاء المهمة من الحزام الشيعي على بلاد الحرمين الشريفين؛ حجازها، ونجدها؟

فقال لي: الحوثية هي ثمرة زواجٍ غير شريف بين غلاة الزيدية في اليمن (الجارودية)، والذين كان يقول عنهم الإمام الشعبي (ت: 103هـ): \\\"ائتني بزيديٍّ صغير أُخْرِج لك منه رافضيًّا كبيرًا\\\"[2]، وبين الجهود الإيرانية الكثيفة الرسمية والأهلية لعولمة الرفض ونشره في أصقاع المعمورة، وقد ابتدأت بنوع تغاضٍ ورضًا من بعض قطاعات المؤسَّسة الرسمية اليمنية بدافع إحداث توازن سياسي في تلك المناطق في ثنايا الانتخابات المتتالية والصراع السياسي الشرس بين الأحزاب اليمنية، إلى أن شَبُّوا عن الطوق وخرجوا عبر مراكزهم التعليمية، وجهودهم الخيرية والدعوية والمِنَح الدراسية الكثيفة إلى إيران وغيرها شبابًا مقتنعًا بالفكر الرافضي، ومتشبِّعًا بضرورة مجابهة الفكر الوهَّابي - كما يسمُّونه - الذي بدأ ينتشر في اليمن وبخاصَّة بعد حرب تحرير الكويت، والتي عاد في ظلالها مئات الآلاف من اليمنيين إلى مناطقهم، وفيهم الدعاة وطلاب العلم من خِرِّيجي الجامعات والمعاهد الشرعية، وحِلَق التحفيظ السعودية، والذين تربَّوا على مناهجها، ونهلوا من معين التربية والتعليم الصافي فيها.

ولعلَّ من أبرز النجاحات التي حقَّقها الحوثيون - غير أنهم رَبَّوا في سِنِي الصمت آلاف الشباب من أبناء تلك المناطق على عقيدتهم الرافضية - أمرين:

الأوَّل: قَبْيَلة الصراع ومَنْطَقَته؛ بمعنى: أنهم تجاوزوا بالصراع البُعْدَ العقدي إلى القَبَلِي والمناطقي؛ فانضمَّت إليهم قبائلهم ومناطقهم، وممَّا ساعَدَ على ذلك الفقر المُدْقِع في تلك المناطق، وخطأ الحكومة في ضرب بعض المناطق وإلحاقها أضرارًا بليغة بقُرى وعشائر ليست معهم أثناء الحروب الخمس السابقة، إضافةً إلى ضعف الجهد التعليمي والخيري والدعوي السُّنِّي في تلك المناطق مقارنة بجهود الحوثيين في هذا الجانب.

الثاني: هَوْشَمَة الصراع وجعله مستهدِفًا لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جميعهم، ومحاوِلاً تشويهَ تاريخهم وإجهاض مكتسباتهم، وهم - كما يدَّعي بعض أكابرهم - يمثِّلون 30% من الشعب اليمني، وقد كانوا إلى سنة الثورة حُكَّام اليمن وسادته، وقد ورثت الهوشمة هذه مسانَدَة كثير من الهاشميين والزيدية لهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكثير منهم يقع على رأس بعض مفاصل الدولة وجيشها، وأجهزة الأمن والتوجيه فيها.

ولذا؛ فإن مواجهة الحوثيين - حتى وإن توقَّفت الحرب - عملية ستستمر لفترة طويلة من الزمن، لكنَّها لا يمكن أن تؤتي أُكُلَها إلاَّ من خلال احتواء اليمن ومساندته في كافَّة الاتجاهات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، ومن خلال خطة استراتيجية على الأقلِّ متوسِّطة المدى (7-10 سنوات)، يتمازَج فيها الجهد الدعوي بالتعليمي بالخيري، ويجمع فيها بين مدِّ يد الإحسان، وتفرُّغ العاملين، وأسلوب العرض والنقض المناسبين بطريقة هادئة مع غلاة الزيدية، جلية مع الرافضة الاثني عشرية، ويُهدَف من خلال ذلك إلى تسنين فئات عريضة من أبناء تلك المناطق؛ حتى يتلاشى الجهد الرافضي، و ينكمش الصوت الزيدي الغالي في مقابل الصوت السُّنِّي المُتَّزِن والصوت الزيدي القريب المجاهر برفض الرفض، والداعي للتعايُش السلمي بين الزيدية وأهل السنة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقَّق إلا من خلال استثمار أهل السنة الأُصَلاء من أبناء تلك المناطق لضمان قَبْيَلة الدعوة ومَنْطَقَتها، وبالتالي حمايتها كما فعل الحوثيون تمامًا، ومن خلال دعمٍ قويٍّ من الوُجَهاء الأخيار والمسؤولين العُقَلاء داخل اليمن، وعن طريق مساندة مشايخ بلاد الحرمين والمؤسَّسات الخيرية والرسمية الخليجية لهذا الأمر بالصورة المناسبة، ومن خلال جدِّيَّة دعاة أهل السنة في اليمن - مؤسسات وأفرادًا - ومثابرتهم في هذا الجانب.

ولعل ضمان النجاح - بعد توفيق الله، عز وجل - يكمن في جانبين:

الأول: عمق الصدق والإخلاص، ومتانة الثقة، وجسارة الوئام، والرغبة في النجاح بين هذه الجهات؛ لأن الجهد البدعي الذي تدعمه دولة عقدية قوية بمقدَّراتها المالية والبشرية، وبمؤسساتها الرسمية والأهلية - لن تتمَّ مجابهته إلا بمثل ذلك.

الثاني: التركيز في قيادة العمل الميداني على دعاة أهل السنة المستقلِّين - أفرادًا ومؤسسات - وهم كُثُر - بفضل الله تعالى - وعلى مساندة عُقَلاء مشايخ القبائل المستقلِّين في تلك المناطق أيضًا؛ خوفًا من أن تعصف الحزبية البغيضة بالمشروع برمَّته؛ فتفقده محتواه، أو تجره إلى ما لا يُحْمَد، وبخاصَّة أن هناك مناكفة سياسية ضخمة داخل المشهد السياسي اليمني بين الحكومة وأحزاب المعارضة تتجاوز - بكل أسفٍ - ثوابت الأمة ومصالح البلاد العليا إلى الشخصنة، وإثبات الذات، وتحقيق مصالح الأحزاب أو قياداتها، وخشية من أن يتحوَّل الأمرُ إلى متاجرة بالقضية ومحاولة لإطالة أَمَدِها؛ طمعًا في مزيد من التكسُّب بها لدى هذا الطرف أو ذاك.

ولذا؛ فإن المقتَرَح على الدعاة - أفرادًا ومؤسسات - البدار إلى اتِّخاذ الخطوات التالية:

1- قيام المؤسسات الخيرية في الخليج - بمؤازرة رسمية يمنية خليجية - بالنزول القويِّ في هذا العمل ودعمه بقوة، ولفترات طويلة لا تتغيَّر بتنوُّع الأحداث وتقلُّب السياسات، وذلك من خلال الشَّرَاكة مع المؤسسات الخيرية الدعوية اليمنية، وتشجيعها على العمل الدعوي والخيري الكثيف في تلك المناطق بعامَّة، وبخاصَّة في أوساط النازحين والمتضرِّرين من الحرب.

2- تثبيت الدعاة الجادِّين في تلك المناطق، وكفالتهم بأعداد كبيرة.

3- العناية بتولِّي زمام التوجيه والإرشاد في تلك المناطق من خلال المساجد؛ عن طريق كفالة الأئمَّة، وإصلاح المساجد المتضرِّرة من الحرب، أو استحداث مساجد جديدة، وتعيين أئمة لها، وإقامة أنشطة متنوعة من خلالها.

4- دعم وتأسيس المراكز العلمية الشرعية السنية داخل اليمن، والتي تُعْنَى بتخريج دعاة وأئمة من أبناء تلك المناطق.

5- إنشاء مركز متخصِّص للأبحاث والدراسات في اليمن مهمته أربعة جوانب:

الأول: إخراج تراث أئمَّة الزيدية ضدَّ الرافضة، والذي يَصِلُ إلى حدِّ التكفير - كما لا يخفى - لإفقاد الحوثيين التحدُّث باسم الزيدية والتغرير بعامَّتهم، وإظهار أن الرفض دخيلٌ على اليمن، وليس له أصالة فيها.

الثاني: إخراج التراث السني لعلماء اليمن من تلك المناطق.

الثالث: استكتاب علماء اليمن ومؤرِّخيه المعاصرين وطلاَّب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية ضدَّ الرافضة بروح سنِّية متَّزنة؛ بهدف توطين الدعوة السلفية، وقطع الطريق على الحوثيين الذين يصوِّرون أهل السنة كأصحاب دعوة وافدة قادمة من خارج اليمن.

الرابع: إظهار صور التعايُش الحسن والسلم الاجتماعي الذي كانت تنعم به اليمن عبر تاريخها الطويل - قبل دخول الرافضة - بين الزيدية وأهل السنة.

6 - إنشاء إذاعة fm موجَّهة لتلك المناطق للقرآن الكريم والتوجيه والإرشاد الشرعي.

7- استثمار بعض الصحفيين والإعلاميين الخيِّرين؛ لتوجيه خطابهم نحو هذا الجانب، للاستفادة من الحرية الصحفية والإعلامية الواسعة في اليمن، وتسجيل موادَّ تلفازية وإذاعية كثيرة مناسبة للغرض، ومن ثَمَّ القيام بتسويقها من خلال القنوات والإذاعات الرسمية والأهلية في اليمن وخارجها، ويمكن أن يكون ذلك نواةً لامتلاك صحف وإذاعة وقناة تلفازية موجَّهة لأبناء تلك المناطق.

8- اختيار طُلاَّب من أبناء وُجَهاء تلك المناطق، وإلحاقهم بالجامعات والمعاهد الشرعية الرَّصِينة في الخليج وبعض الدول الأخرى، مع ضرورة تقديم رعاية تربوية خاصَّة بهم أثناء الدراسة من خلال برامج تلك الجامعات والمعاهد وأنشطتها الطلابية.

9- الاتِّفاق مع جامعات أهلية رصينة في اليمن، لديها كليات شرعية أو أقسام للتربية الإسلامية - على توفير فصول دراسية بمناهج متميِّزة وأساتذة أَكْفَاء ومساكن طلابية جيدة، وإلحاق أعداد كبيرة من أبناء تلك المناطق بها كَمِنَح دراسية.

10- الاهتمام بالطلبة اليمنيين من أبناء تلك المناطق في الجامعات الخليجية والعربية، وتقديم الرعاية الإيمانية والعلمية لهم من خلال بعض أعضاء هيئة التدريس في تلك الجامعات الملتحقين بها.

 

وما لم يحدث هذا التعاون بشكل سريع وبصورة فاعلة وقوية، فإن الأمور في ظل المعطيات الحالية - والعلم عند الله تعالى - ستتداعى جزمًا من سيئ إلى أسوأ، وعندها لن يجدي تحسُّر الصادقين في جزيرة الإسلام، ولن ينفعهم كثرة الندم، أو محاولات الإصلاح وتلافي الخطأ.

قلت له: حديثك ضافٍ ومهم، وكأنَّك تركِّز على أن التنسيق الفاعل بين المؤسَّسات الرسمية والخيرية في اليمن والخليج - بعد توفيق الله تعالى - هو الضمان الأساس للنجاح في هذا الجانب.

قال: لا بُدَّ من ذلك، وفي أسرع وقت؛ لأن حجم الاستهداف، وضخامة الجهود البشرية والمالية والمعنوية المبذولة، والعناصر التاريخية والنفسية والسياسية التي يستند إليها الطرف الآخر - أكبرُ من أن تتمكَّن من مواجهتها جهود فردية أو شبهها.

سهَّل اللهُ الأمرَ، وبارك في كل جهدٍ خيِّرٍ، ووقى يمنَ الإيمان والحكمة، وقلعة الإسلام: المملكة العربية السعودية بخاصة، وهما البلدان المستهدفان من هذه الحرب العسكرية والعَقَدِية الضَّروس بدرجة أساسية، وسائر بلاد الإسلام بعامة - شرَّ الأشرار وكيدَ الفُجَّار.

وصلى الله وسلم على النبيِّ المختار، وعلى آله وصحبه الأطهار.

........

 [1] الجارودية: فرقة زيدية غالية، تنتسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الكوفي (ت: بعد سنة 150هـ)، ومن مقالتها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصَّ بجلاءٍ على إمامة عليٍّ بالإشارة والوصف دون التسمية والتعيين، وهو الإمام بعده، ولأن الصحابة الكرام قصَّروا؛ حيث لم يتعرَّفوا الوصف, ولم يطلبوا الموصوف، وإنما نصبوا أبا بكر خليفة باختيارٍ منهم، فقد كفروا بذلك، وتبرَّأت هذه الفرقة من الشيخين - أبي بكر وعمر - وزعموا أن الإمامة مقصورة في ولد فاطمة - رضي الله عنها - وأنها لِمَن خرج منهم يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبعضهم يرى الرجعة، ويحلُّ المتعة، فهم إلى الرافضة أقرب وإن تسموا بالزيدية!!

انظر: \\\"الملل والنحل\\\"؛ للشهرستاني: 1/159، \\\"التنبيه والرد\\\"؛ للملطي: 23، \\\"الفرق بين الفرق\\\"؛ للبغدادي: 30 ، \\\"مقالات الإسلاميين\\\"؛ للأشعري: 1/140.

[2] \\\"ميزان الاعتدال\\\"؛ للذهبي: 2/584.


في الإثنين 30 يناير-كانون الثاني 2012 09:50:35 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=13521