إحذروا نرجس !
فيصل علي
فيصل علي

في احدى اغانيه قال عملاق الفن اليمني الكبير ايوب طارش : شاعطيه من غنوتي كلمة .. وانا بدوري ساخذ من احدى اغانيه  كلمة "نرجس" وهي في واحدة من اشهر اغانية التي تقول كلماتها :

"بعض النوب تعطي وبعض النوب تحبس قل "لنرجس" تتعرى وتلبس.. وترشف.. وفوق الكل يعسوب.. "

ولهذه الكلمة - نرجس- مدلولها العميق فيما ترويه لنا اسطورة يونانية قديمة تحدثت عن قبيلي اسمه "نرجس" احب فتاة جميلة تدعى(صدى) والتي هامت بحبه ، ومن فرط حبها وعشقها له واعجابها به سقم حالها ومرضت بسببه- والظاهر انه كان قبيلي عسر- ومن اجله كابدت وصبرت حتى اضناها هذا الحب وجعلها تذبل شيئا فشيئا حتى فارقت الحياة.. ولكن الالهه (بزعم الاسطورة) لم تترك الفتى دون عقاب.. لذلك كان العقاب قاسيا عليه للغايه حتى اودى بحياته.. وكان العقاب ان يعشق نفسه بصورة مرضية، وكان عندما يراى صورته منعكسه على الماء يجلس الساعات الطوال امام صورته بكل فخر ونشوة ..واستمر على هذا الحاله حتى مرض نفسيا بسبب هذا التعلق الذاتى.. وما هى الا فترة بسيطه حتى فقد عقله وفى احدى خلواته وعشقه لنفسه قفز الى بركة الماء ليمسك صورته "ولكنه مات غرقا " .. فقبروه في الغابة وبعد عام مروا على قبره فوجدوا ان زهرة ظهرت على القبر فسموها على اسمه نرجس (وهى زهرة النرجس المعروفة اليوم).. هذه القصة جعلت عالم النفس فرويد يصف حالة مرضية متكررة بهذا الاسم (الشخصية النرجسية )ووصف هذه الشخصية المريضة نفسيا بانها انانية تحب نفسها لاغير وتسعى للالقاب والرتب العالية، حتى لو كان الامر قفزا على الواقع وتخطي الرقاب عنوة .. هذه الشخصية تسعى لاستغلال من حولها لمصالحها الفردية الضيقة.

"والنرجسي عاشق لنفسه ويري أنه الأفضل والأجمل والأذكي ويري الناس أقل منه شأنا ، ولذلك فهو يستبيح السخرية منهم، ويشخص علماء النفس ان النرجسي يهتم كثيرا بمظهرة وأناقته ويدقق كثيرا في أختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو في عيون الأخرىن وكيف يثير أعجابهم, ويستفزه التجاهل من قبلهم جدا ويحنقه النقد الموضوعي ولو كان مزودا بالحجة والدليل القاطع".يصاحب هذه الشخصية شعورا غير عاديا بالعظمة الكاذبة ، ويرى أنه شخص نادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد، لايمكن أن يفهمه إلا الخواص. وينتظر من الآخرين " تحياتي للحرامي " و"يافندم انتم الخير والبركة" ولولاكم لانطبقت السماء على الارض.ولذلك يقول علماء الاجتماع : "النرجسي يميل نحو إعطاء قيمة عالية لأفعاله وأفضاله والبحث عن المثالية في آبائه واجداده من حيث المركز والعطاء". فهو ابن سيف ابن ذيزن الحميري وابن فرعون وحفيد صلاح الدين وقائد ثورة الفاتح وحامي حمى الامة ومنقذ الكون. 

هذه الحالة المرضية مرت معنا في المنطقة العربية على هيئة زعماء وقادة انتهوا اليوم وبقى لدينا منهم نسخا كثيرة في اروقة المكاتب وفي المؤسسات والوزارات ، نحتاج الى تشخيص هذه الحالات وسرعة علاجها وايقافها عند حدها حتى لا تزيد من عملياتها التخريبية في هذه الجهات.. الانظمة اولت هذه الشخصيات الرعاية الكاملة وعينتهم مدراء ووزراء ومحافظين ووكلاء الى ان تشبعت بهم البلاد.. اليوم وفي خضم ثورة المؤسسات وازدياد الوهج الثوري يجب الحد من استفحال امرهم فمنهم من يرى انه احق بكل جاه ومنصب.

ولذا نحتاج الى فحص كل من نستخدمه في أي عمل الى ان يقدم فحصا طبيا شاملا بما فيه خلوه من النرجسة المرضية والا فاننا سنعيد انتاج المرض من جديد بعد ان اطاحت الثورة العربية بكبار المرضى والنرجسيين .. تذكروا اناقة المخرفين واهتمامهم بهندامهم اكثر من اهتمامهم بالماء الذي يحتاجه الفقراء في اوطانهم ، وتذكروا مواكب الفخامة لم تكن سوى تعبيرا عن نقص حاد في الجانب الانساني وتغليب الجانب النرجسي على ما سواه .. تذكروا العقود المضروبة التي اتت على صحة الناس ومصالحهم ، من عقود النفايات النووية الى عقود بذور الطماطم الملغمة بفيروسات مسببة للاتهابات الحادة، وعقود النفط الرخيص وعقود الغاز المسال التافهة ، وعقود ايقاف الزراعة في الاراضي الصالحة لها ،وفتح باب الايستراد للحبوب والقمح، وعقود الاسلحة الفاشلة من سنة 1948 الى 2011 وتكديس قمامة الحرب العالمية الثانية للدفاع عن الكراسي .

اننا امام متتاليات فاسدة ومريضة نحتاج للتخلص منها، ومنع تسربها الى مواقع مهمة في الدولة ولا سبيل الى ذلك الا الى معالجتها اولا ،وفحص "نفسي" لكل من سيتولى احد المرافق ، يكفي مجانين يكفي فاسدين ومجانيين، البلد بحاجة الى عقول تخرجها من حالة الضياع.. لا تنسوا اننا نريد دولة مدنية خالية من جنون القادة ، وان لم نفحصهم فاننا سنعيد انتاج صدام وبن علي وعلي صالح ومبارك والاسد والنعامة والقذافي وعبد الذات وعلي سالم واحمد يا جناه .. 


في الخميس 26 يناير-كانون الثاني 2012 05:02:13 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=13457