3 عقود من "سوء-حكم" اليمن
شهاب محمود
شهاب محمود

"بعد 33 عاما من سوء-حكم اليمن ، تنحى الرئيس علي عبداللة صالح". بهذة الجملة لخص الكاتب الامريكي الشهير نيكولاس كرستوف في النيويورك تايمز حكم صالح لليمن لأكثر من 3 عقود. نقد صالح بعد رحيلة ليس نوعاً من التشفي ، بالرغم من شرعية أمر كذلك ، ولكنه محاولة لفهم واستخلاص الدروس من مرحلة تاريخية كان الرجل اللاعب الرئيسي فيها.

-

يختلف الرئيس صالح عن مبارك وبن علي وزين العابدين بنقطة جوهرية. فبالرغم من أن أولئك كانوا حكاما مستبدين أيضا إلا انهم صنيعة منظومة وجماعة زينت لهم أعمالهم وأوجدتهم بكافة تفاصيلهم. بينما صالح في الحقيقة هو من أوجد هذة المنظومة ونماها حوله. أولئك حكاماً فاسدين ، صالح حاكماً مُفسداً.

-

في نفس الوقت تختلف معارضة اليمن عن غيرها من المعارضات الأخرى ، بأنها كانت جزءاً لا يتجزء من النظام ، إن لم تكن هي أحد ركائز حكمة الأساسية. الامر الذي يجعل من وضعها في المرحلة القادمة ليس صعبا فحسب ، بل سيصيب شرايينها بالشلل ، لأنها عاجزة عن الأداء في ظل غياب علي عبداللة صالح. بل أن الكثير من أطراف المعارضة ، خاسرة أكثر من النظام ذاته بهذا التحول الذي ليس بالضرورة تحولا ديمقراطيا بقدر ماهو مجرد إنفتاح.. حتى الأن. حيث أن المستقبل يحتاج الى تحولين متوازيين, اقتصادي وسياسي. وبالرغم من بعض الاحاديث عن المشاريع السياسية ، إلا ان الحديث الأقتصادي غائب تماما. وهو أخطر ما يواجه اليمن ، إقتصاد مدمر.

-

ومع هذا لم يفسد صالح المعارضة السياسية فحسب ، بل أفسد المجتمع أيضا. أصبح المجتمع اليمني مجتمعا مستهلكاً غير منتجاً ، وذلك من أخطر ما يصيب المجتمعات ويدمر قدرتها على الحياة. أصبح المجتمع مجتمعاً متواجدا ، لكنة ليس حاضراً ولا حياً بالمطلق. وبالرغم من صحوتة السياسية على مدى الأشهر الماضية إلا أنها ليست صحوة إقتصادية وثقافية وفكرية ، بعد. إن أخطر فساد قد يصيب أمة ما ، هو فساد مجتمعها.

-

لم يشبة أحدا علي صالح ، إلا نظيره معمر القذافي . كلاهما تعامل مع شعبة وحكمة لقرون بمنطق العصابات وقطاع الطرق. لا يمكن للعقل أن يتصور أبدا أن يصف حاكما شعبة بجرذان او "مغفرين بترول" ، إن كائناًت كهؤلاء ، ليست إنسانية ولا وطنية بالمطلق. حديث هؤلاءالكائنات ممتلئ بالثأر والحقد على شعوبهم المسحوقة والتي عاشوا على نهب أموالها وثرواتها وطاقاتها لسنوات طويلة.

-

بمجرد النظر الى الميزانية العسكرية لهذا النظام مقارنة بميزانية التعليم والتنمية المتدنية ، يستطيع المرء تخيل حجم الدمار البشري والعجز االعقلي والتنموي الذي ستعاني منه اليمن في الفترة القادمة. منذ العقود الماضية والأنسان اليمني "عايش بالبركة"" وكل السياسات التنموية والمعالجات لقضايا الانسان اليمني اتسمت اجمالا ب"الكلفتة" التي يمكن بها تلخيص وضع البلد خلال ال33 عاماً الماضية.

-

لم تكن لغة ولغوية علي عبداللة صالح إلا دليلا بسيطا على حجم الكارثة التعليمية التي يمر بها اليمن. يشعر المرء بالعار وهو يرى رئيسة يتأتأ الكلمات في كل المناسبات وياكل اللغة باليد اليُسرى ، وبلا بسملة. لقد رحل محمد حسني مبارك وبن علي بعد ان قدموا خطابات مع انها لم تكن وداعية كخطاب صالح إلا انها اتسمت بالمسؤولية والوطنية والرزانة.

لا أدري ما مدى عملية ان يتمنى المرء أمنية على حاكم يعيش اخر لحظاتة في الحكم. لكن بدلا من القاء الاتهامات والشتائم ومدح الصهيونية وشتم شعبة الثائر عليه في خطابة الاخير، الم يكن من الاجمل لو ان صالح جعل من خطابة خطاباً تاريخيا يستسمح فيه شعبة عن كل خطأ ويهديهم كل نجاح ؟ سيكون قد ألقى خطاباً تاريخيا يخرج فية عن الحكم خروج الأبطال العظماء. إنها فقط احدى الاف ال"ألم؟" التي تمر بخاطر الانسان وهو يسترجع ثلاثة عقود من تاريخ هذا البلد.

 ألم يكن يستحق هذا الشعب بعض الشكر والأمتنان ولو لبضع ثواني؟ لقد احترمه ثلاثة وثلاثون عاما ، ألم يكن يستحق أن يحترمة بالمقابل ل33 ثانية؟

-

يتشدق صالح مرارا وتكرارا زورا وبهتانا بأنه بآني وحدة اليمن الحديث ويحلو لحاشيتة الترويج بأنة كذلك ، متناسين الازدهار والانفتاح والدولة التي كان عليها الجنوب قبل الوحدة. كانت الدولة الاشتراكية الوحيدة في العالم العربي ، وتم تدمير كل مكتسباتها منذ 94 ومافوق.. ولكن فلنفترض جدلا صحة زعمة بأنة قائدا تاريخيا ، ألم يكن من المفترض به الخروج خروجا تاريخيا ان صح زعمة؟

يعتبر شارل ديغول بمثابة الاب الروحي لفرنسا الحديثة و مؤسساتها العظيمة ، ولكنة بمجرد سماعة أول مظاهرة تخرج ضده عام ال1969 سأل ما مطالبهم؟ فأجابوه بأنهم غير راضين عن سياسته ، فاستقال وخرج مغادرا الى قريتة التي مات فيها ، ولم يسمع له خبرا منذ مغادرتة باريس. هؤلاء هم العظماء حقاً ، كامثال ديغول ونليسون منديلا الذي قضى 27 عاما في السجن من اجل بلادة ورفض ان يستمر في الحكم بعدها لأكثر من خمسة أعوام ، بالرغم من شعبيتة العارمة.

شيء وحيد يشفع لصالح عن كل كوارثة ومصائبة هو أنة لم يكن وحيداً... بل كان له زميلاً ، القذافي.

 "عندما الشعوب اختارت أعاديها ،،،، لم نشهد القرعةِ التي اقترعوا".. تميم البرغوثي.

  shihab20102020@gmail.com


في الإثنين 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:20:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=12551