الزحف إلى جبل نقم
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل

سيبدوا العنوان غريبا ، لكنه لن يكون أغرب من تطفل وتسلق العوراء والنطيحة والمتردية وما أكل السبع منها على جسد الثورة اليمنية الحديثة ، وتحديدا تلك الكائنات التي التحقت بمسيرة الثورة مثقلة بالفساد وهربا من المحاكمة والمسائلة بعد أن خدمت سلطة علي عبدالله صالح لفترة طويلة ، تجاوز عدد سنين بعضها العشرين سنة ، ووصل عدد بعضها الآخر إلى ثلاثة وثلاثين سنة ، ، كانت فيها تلك الكائنات سببا مباشرا في بقاء صالح وشريكا أساسيا وفاعلا في كل ما لحق بالوطن من ويلات وكوارث خلال فترة حكمه ، وهي الآن كما أعتقد سببا مباشرا أيضا في تقييد مسيرة الثورة ومحاصرتها أمام الجامعة وتجميدها في ساحات التغيير ، كما كانت وبكل أسف السبب الأول والأخير في تقزيم الثورة إلى " أزمة سياسية " أمام العالم ، لحظة هرولتها بأقدام خالية من الوطنية والوفاء لدماء الشهداء نحو المبادرات والحوارات مع صالح وسلطته المشوهة .

لا بد من تذكير الثوار أولا ، ثم من يستحقون أن نطلق عليهم " فيروسات الثورة " ، أن شعبنا اليمني العظيم عندما خرج إلى الساحات والشوارع ، وقدم الأرواح والدماء في طريق إنتزاع حريته وكرامته ، كان في هبته بصدوره العارية ساعيا وما زال ، نحو غاية تطهير البلاد من كل الأيادي التي عاثت فيها فسادا وقتلا وتخريب ، دون أن يفكر ولو للحظة في ترك أو مسامحة أي يد من تلك الأيادي القذرة ، وهو وإن غض الطرف بفعل فاعل ، يعلم ويدرك ويعي أن بعض الأسماء التي هربت بين عشية وضحاها ، من صف السلطة إلى صف الثورة ، جديرة بالرحيل والخروج من العملية السياسية والعسكرية جنبا إلى جنب مع علي صالح وأولاده وأقاربه ، لأن بقائها في المستقبل سيبقي البلاد على حالها نتيجة تخرجها من نفس المدرسة السيئة التي تخرج منها صالح ، والمتميزة بفشلها في تقديم أو إنتاج أي مصلحة للبلاد ، لأن الشيء الوحيد الذي تفهمه وتعيه وتتقنه هو مصالحها الشخصية وليذهب الوطن اليمني إلى الجحيم .

لقد كشف طول فترة الثورة المباركة ، أن تلك الفيروسات ركبت الموجة وعاثت فسادا في قيم الثورة ، ثم أوصلتها بفعل غبائها السياسي إلى مجلس الأمن الذي تبنى ما سمي بالمبادرة الخليجية ، واعتمدها كمخرج أساسي سينهي به حسب وصفه " الأزمة السياسية " في اليمن ، لتشهد الساحات في مختلف محافظات الجمهورية نتيجة ذلك الغباء ، حالة استسلام ودخول في قائمة الإنتظار للحل الخارجي بدلا من فرض الحسم الثوري على الداخل والخارج ، وحتى لا نخرج كشعب من المولد بلا حمص كما يقال ، وجب علينا لفت نظر الشباب إلى نقطة هامة ومصيرية ، نعتقد أنها لعبت دورا كبيرا في مواجهة الثورة ومحاربتها ، وبقاء علي صالح وأولاده وأقاربه وسلطته المحروقة .

القوات المسلحة اليمنية ، هي ما نود الإشارة إليه ، وهي المقصود بعنوان المقال ، على اعتبار أن جبل نقم تحول بفعل العقلية العسكرية السخيفة ، إلى ثكنة مدججة بمختلف الأسلحة كسائر جبال اليمن المحيطة بالمدن ، بدلا من تحويلها إلى منتزهات وحدائق جبلية تطل على البلاد ، ونحن هنا نحذر من مغبة أي تسوية سياسية أو انتخابات رئاسية ونيابية ستحدث دون إعادة هيكلة الجيش ووضع القوات المسلحة تحت قيادة عسكرية وطنية موحدة ، تعمل أولا وأخيرا على حماية الوطن وأبنائه من أي عداء خارجي ، أو مغامرات وفوضى مجنونة من أركان السلطة السياسية التي ستحكم البلاد في المستقبل .

لقد فضحت الثورة اليمنية سلطة صالح فضائح مدوية ، وعرت أمام العالم الفصول المختلفة لفشله الذريع في تحقيق ولو مكتسبا واحدا فيه مقومات الدولة ، ونال ما سمي بالقوات المسلحة نصيب الأسد من تلك الفضائح ، ودليل ذلك أن الجيش منقسم إلى فصائل مستقلة ، تحولت بكل أسف إلى " كلاب حراسة " تحمي قادتها فقط ، وتنفذ أوامر القتل والتعذيب وصب الويلات على شعبنا ، ولنا في الحرس الجمهوري والأمن المركزي خير مثال على ذلك .

إن مراجعة تاريخ القوات المسلحة اليمنية ، يثبت للقاصي والداني تفننها في قتل الشعب اليمني ، وخوض الحروب ضد أبنائه وقبائله ، ولم يعرف أنها تصدت لأي عدوان خارجي على البلاد ، بحدودها البحرية والبرية والجوية ، بل إنها اشتهرت بالوقوف موقف المتفرج على العدوان الأرتيري على جزيرة حنيش ، ثم كانت خير معين للجيش السعودي في عدوانه على شمال البلاد ، بغض النظر إتفقنا مع الحوثيين أو اختلفنا معهم ، وها هي منذ بداية الثورة حتى اللحظة ، تمارس هوايتها في قتل الشعب اليمني ، مخالفة بذلك كل قواعد ومبادئ الشرف والقسم العسكري والوطني ، وعليه يجب على الثوار والشباب أن يتنبهوا لهذه النقطة إن كانوا كما أقسموا ، أوفياء لدماء الشهداء وتضحيات الأطفال والنساء ، ونعتقد أنهم ونحن مدعوون وملزمون برفض أي تسوية سياسية وحلول خارجية لا تضمن توحيد الجيش وبنائه بناءا صحيحا تحت قيادة وطنية واحدة ، لن يكون لها شأن أو تدخل على الإطلاق في العملية السياسية ، فيكفينا ما ذقناه ونلناه على يد العسكر وعقلياتهم التي أبدعت في القتل والتدمير والتخريب ، واختلاق الأكاذيب والبيانات الفاقدة والخالية من أي معيار أو شرف عسكري يتحلى به أي جندي وطني في دول العالم الأخرى .

ختاما لا بد من القول بكل صدق وصراحة وبدون خوف أو مجاملة ، أنه يجب على علي عبدالله صالح وأولاده وأقاربه تسليم السلطة وما بيدهم من قطاعات عسكرية ، كما يجب على علي محسن القيام بذلك أيضا ، ثم يجب إخراج القوات المسلحة من المدن والجبال المطلة عليها

وتوزيعها على الحدود الكبيرة للبلاد ، وإن لم يحدث ذلك وجب علينا الإيمان بأن الأجيال القادمة ستلعننا ليل نهار ، وحتما ستنتصر لدماء الشهداء وأرواحهم ، بينما ستصلنا نحن أينما كنا لعنات الناس والتاريخ .

aalmatheel@yahoo.com

 
في الأحد 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:05:21 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=12295