لاتصالح ... فقد جاء صالح
احمد نبيل
احمد نبيل

يبدو ان النظام اليمني الإستبدادي الدموي المتحجر قد فاق في دمويته على اكبر الانظمة الدموية في التاريخ البشري (الصهيونية والفاشية والنازية )فهو نظام لا يتعظ من قوانيين التاريخ وسننه ويعتقد انه فوق التاريخ واحكامه ,وما زال متمسكاً بالسلطة وبمواقفة المتشددة ورافضا لفكرة التنحي حتى فترة اطول مما كنا نتوقع , ولا يرغب أصلاً في الحوار الوطني وتجنيب البلاد الكثير من الخسائر والكثير من سفك الدماء الذي يرتكبه حالياً في حق شعبه بشكل لاإنساني, واخرها مجزرة صنعاء الاخيرة التي استمرت لاكثر من ثلاثة ايام و خلفت اكثر من 90 شهيداً ولم يسلم منها الطفل (أنس)الذين لم يتجاوز الشهر العاشر من عمره ,بالإضافة الى عدد من الشهداء في تعز ومئات الجرحى. اللافت للنظر ان هذا النظام بدء يترنح بشكل ملحوظ , اي نعم انه لم يسقط في زمن قصير, ولكن سقوطه قد كُتب في صُحف القدر. فتمترس قوات صالح التي تعتقد أن بقاءها مرتبط بالدبابة والمدفع وراء ترسانة الاسلحة دليل جُبن وخوف وضعف وإنحطاط اخلاقي وانساني ايضا.

سيعجز التاريخ اليمني عن الشكر لكل هؤلاء الشهداء الذين ضحوا باغلى مالديهم (الحياة ) من اجل ان يحيا هذا الوطن بكرامة وعزة ,ومن اجل انتشاله من مستنقعات الفساد والعمالة والتبعية اللاتي اوقعنا بها صالح وازلامه باتفاقياتهم المشبوهة خلف الابواب الموصدة . كل الشكر والإحترام والتحية والرحمة للشهداء والشباب الأحرار في كل ربوع اليمن , من يصنعوا ويخطوا ويرسموا بدمائهم الطاهرة و بشجاعتهم ونخوتهم و رجولتهم ايضا هذا القدر المشرف لليمن ,فمثل هذه الأقدار اصبحت صعبة المنال لاُمم تنهكها أنظمة قمعية دموية ومتغطرسة إلا اذا ثأرت اولاً على حاجز خوفها, فعلا كما صنع شبابنا الأحرار في يمننا الحر.فاليوم اصبح الكثير من الشباب العربي في مصر وليبيا وتونس, يحملون الأعلام اليمنية على اكتافهم إعتزازا وإفتخارا دعما لثورتنا, فهكذا نكون قد كسرنا الصورة النمطية عن اليمن التي صورها هذا النظام للعالم واستعدنا ولو بعضا من كرامة يمننا ورفع اسمه عاليا , بعد ان كان اسمه مقترناً بالتخلف والفقر والتعاسة اللواتي رسمهن النظام كملامح للوطن .

هذا الرجل المدعو صالح لا يملك سمعة جيدة لكي نسيئ إليها أكثر ( فاليوم كل الذي أخفاه يبدو عليه ) فقد كشر عن أنيابه وابرز عن مخالبه في وجه شعبه المظلوم ,واستخدم معه أساليب التهديد والوعيد من ثم القمع والبلطجة وسفك الدماء بلا رحمة ولا إنسانية متفوقا في ذلك على وحشية ودموية الصهاينة في كل أفعاله, ومازال يتصرف بطرق العنجهية التي احترفها طوال الأعوام الثلاثة والثلاثين التي تربع خلالها وأسرته وحاشيته الفاسدة على عرش البلاد ,ويتعامل مع الشعب اليمني وشبابه الثائر، كما لوانهم شعب من المتخلفين والجاهلين ،ليس شعباً عظيماً استطاع ان يصنع مجتمعا مدنياً راقياً في مدة زمنية قصيرة مثيرة للإعجاب والإنبهار ,وفجر ثورة سلمية من ارقى الثورات وانبلها واكثرها صموداً وترتقي إلى مستوى الثورات اللاتي تغير مجرى التاريخ، وتعتبر في قمة التحضر والإنضباط والإبداع والتلاحم الوطني جعلها تحظى بإحترام شديد من العالم بأسره .

صالح لم يعرف أبدا ماذا يعني حب الوطن ومصلحته حتى يضعهما فوق كل اعتباراته, فلا اتوقع مُطلقاً ان يتم التوقيع على المبادرة الخليجية اونقل السلطة سلمياً حتى بعد عودته الى اليمن وإن مايقوله هو للاستهلاك السياسي فقط .فليس من المعقول أن تحاور شخصاً وفي الوقت نفسه توجه السلاح إلى صدره لتقتله. انها حقيقة ,انه لم يعد بالإمكان لصالح ان يتربع على عرش الرئاسة مجددا بعيدا عن اغتصابها.فهو ربما يبحث عن تنازل مشروط يضمن بقاء نجله في السلطة كقائد للحرس الجمهوري حتى يكون صمام امان في حالة تكرار السيناريو المصري في محاكمة المخلوع حسني مبارك . لذلك إن استمرار الوضع بالشكل الحالي لن يؤدي الى اي حسم , لانه ليس من المنطق ان تنجح في تغيير نظام دموي استبدادي ومتحجر لا يتحدث إلا لغة السلاح والدم ( بشكل سلمي ).

علينا ان نعلم ان الغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية يريد تغييرا سطحياً او طفيفاً ،يغير وجوها فقط لا انظمة وسياسات متكاملة، وذلك لضمان تحقيق اهداف معينة, فالغرب لا يريد ديمقراطية او حرية او حياة كريمة لليمن، وانما يسعى دائما لإضعافها عسكريا وإقتصاديا مع اخواتاها الدول العربية حتى تظل اسرائيل القوة المهيمنة في المنطقة ,ويريد الغرب ايضا من الانظمة العربية ان تكون الحارس المخلص والمطيع لمصالحه , و في خدمته دائما ، وان تكون حريصة على اهدافها في المنطقة . فاللافت ان الحكومات الغربية لم تبد حتى الان اي تعاطف حقيقي مع ثورة الشعب اليمني ودمائه التي سُفكت او حتى تأييد بسيط ,انما تصريحات خجولة لا توضح موقفهم الحقيقي .في الاطار نفسه يمكن الإشارة الى البرود الامريكي – الغربي الملحوظ تجاه إنتفاضة الشعب اليمني ،ومن المؤكد ان العامل النفطي ليس السبب ،وانما تنظيم القاعدة في اليمن ,حيث ان الإدارة الامريكية تعول وتعتمد كثيرا على نظام صالح للتصدي لهذا التنظيم والتعاون معه في الحرب التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإجتثاثه تحت عنوان ( الحرب على الارهاب ) رغم غموض كواليس العلاقة بين النظام الصالحي والقاعدة.

كلمة الى كل ثائر ,( لا تُصالح ) ولا تقبل بالمبادرات المشبوهة . فقد اتضحت اشياء كانت غامضة ,عرفنا منها الصديق من العدو ,الشقيق من المنافق , الخطاء من الصواب , وإدراك ان الحل الوحيد هو (الحسم الثوري) حتى وان خسرنا وقدمنا تضحيات اكثر ,فنحن حاليا نضحي في كل يوم بأرواح زهية و بدون اي تقدم او نصر فعلي .فلما لا نعزم على تقدم ثوري حاسم ونثمن تلك التضحيات؟. فلن ننتظر اكثر للولايات المتحدة راعية الإستثمار الأمني في اليمن , ولا المملكة العربية السعودية صاحبة النفوذ المالي للسلطة لكي يرسموا لنا المخرج او حتى ملامح النصرعبر مبادراتهم السافرة. فالواقع يقول ان ما يرسموه لنا هو كهف مظلم ملئ بالمتاهات ونموذخ ثورة ملطخة لان اليمن بالنسبة لهم ( لا غالي فيها ) كالنفط مثلا, ولكن ما لا يعرفه هؤلاء ان لنا ماهو اغلى واثمن , (الكرامة وعزة النفس والنخوة ), فنحن من سينحت النصر نحتا في ذاكرة التاريخ وفي ساحات الحرية والتغيير بدمائنا وارواحنا ,ولا يجب ان نقبل بالواقع المر الذي نتجرعه وصرنا نسترضيه ,بل يجب ان نُغيره بكل إرادة وحماس مع" قليلا من الغضب ", وليكن لدينا قيادة " مُخلصة " تقودنا الى الحسم الثوري بعد ان تتوحد كل قيادات الثورة في كل المدن والمحافظات , فشتاتنا واختلاف التيارات السياسية والحزبية احدى اسباب تأخر الثورة وربما قد تكون اسباب فشلها فيما بعد.

علينا ايضا ان نكفر بكل المبادرات والاتفاقيات والمنظمات الدولية التي تدعي وتتشدق بحقوق الأنسان وان نحث الثوار في بقية المدن على السيطرة على المقرات الحكومية واحداث تصعيد جريء في صنعاء يُخرج الثورة من روتينها الحالي على شكل زحف شعبي لا يتوقف إلا بسقوط النظام تماماً , بحماية الجيش المؤيد للثورة وبمرافقة وسائل الإعلام المحلية والعالمية . فقد لا تتكرر هذا الفرصة التي صنعت هذا الزخم الثوري مجدداً .

اخي الثائر لا تيئس ولا تحزن , عندما يقولون لك صالح قدعاد الى اليمن .رد عليهم ببساطة "بداءنا ثورتنا اصلا بوجوده , ثم غاب عنكم ورجع , فما الجديد ؟" اما نحن فمعنا من لا يغيب ( معنا الله سبحانة ... وكفى بالله حسيبا ). فسوف تبقى الدماء الزكية شبحاً يلاحق المدعو صالح وازلامه حتى بعد مماته. و لن نتعب من التظاهر، ولن تتراجع عزيمتنا في مواصلة اعمال الاحتجاج والحسم لفرض التغيير وبناء يمن جديد يحتضن الجميع ( فلا تصالح ... ولو منحوك الذهب ).

لا تصالحْ
ولو منحوك الذهبْ
أترى حين أفقأ عينيكَ
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى

****

لا تصالح على الدم.. حتى بدم
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يدٌ .. سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

****
سيقولون
جئناك كي تحقن الدم
جئناك. كن -يا أمير- الحكم
سيقولون
ها نحن أبناء عم
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا،
وأخًا،
وأبًا،
ومَلِك

****

لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟
وكيف تصير المليكَ
على أوجهِ البهجة المستعارة؟
كيف تنظر في يد من صافحوك
فلا تبصر الدم
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة

****
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف
واستطبت- الترف

لا تصالحْ
لا تصالحْ

الشاعر الراحل : امل دنقل


في السبت 24 سبتمبر-أيلول 2011 07:02:29 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=11703