عبدربه منصور...بين دار الرئاسة وساحة التغيير
عبد الملك المثيل
عبد الملك المثيل
 

لا أعتقد أن باستطاعة أحد من الناس ، معرفة شعور السيد عبدربه منصور هادي في هذه اللحظات الصعبة والمعقدة من تاريخ وطننا اليمني ، فالرجل لم يكن يتوقع أو يتخيل أن الأقدار ستحمله نحو منصة الحكم ليصبح الرجل الأول في البلاد ، فهو إلى جانب قناعته بمنصبه الفخري كنائب رئيس للجمهورية منذ نهاية حرب 94م ، علم تماما أن ذلك المنصب كان بمثابة إقصاء وتقييد لشخصه وهو الصاعد بقوة من حطام تلك الحرب المشؤومة ، والواضح أنه خلال السنوات الطويلة ، تعامل مع واقعه بهدوء وحصافة حتى قال الناس عنه ، أنه مجرد كوز مركوز وطالب الله على نفسه ، لكنني أعتقد أن الرجل " ثعلب ذكي " أجاد التعاطي مع صالح وأسرته ، ودليل ذلك أنه ظل بدون صلاحيات أو نفوذ يمكنه من صرف ولو مبلغ خمسة الف ريال يمني منذ عام 1994م حتى 2007م ، لكنه ومنذ ذلك العام الذي شهد انطلاق الحراك الجنوبي السلمي تفنن في إخراج مواهبه التي إكتسبها من تجربته الطويلة في مدرسة السلطة ، لينتزع من صالح صلاحيات كبيرة ونفوذ واسع ، وزاد على ذلك بأن وضع نفسه في موقع الإجماع الداخلي من القوى السياسية التي طرحت من وقت مبكر توليه منصب الرئاسة لفترة انتقالية يقود من خلالها البلد نحو دولة النظام والقانون .

أتصور أن عبدربه منصور يقف الآن أمام المرآة وينظر إلى نفسه ويقول...والله يا عبدربه أتت إليك السلطة ساعية وأنت لها رافض ، ثم أراه يتحسس نفسه بيديه ويقول ...شر لا بد منه فقد صرت رئيسا ربما ( بدعاء الوالدين وقومة الصبح ) حسب المثل اليمني الشهير ، ثم يخطوا إلى الامام قائلا ...بسم الله توكلنا على الله ، فالبلد بحاجة ماسة للخروج من وضعها الراهن عبر لاعب سياسي كبير يستطيع إيجاد خطة لعب مميزة تعتمد على التعاطي مع الثورة الشبابية السلمية ، والعمل على اجتثاث بؤر الصراع السياسي ومراكز القوى التي أوصلت البلد إلى ما هي عليه ، وهي أيضا من تقف كحجر عثرة في طريق الثورة وتحقيق حلم بناء الدولة المدنية ، والواضح أن عبدربه منصور وجد نفسه في ذلك المركز حتى قبل خروج صالح من المشهد السياسي ميتا او مصابا ، برغبة إقليمية ودولية وشبه إجماع وطني حتى من شباب الثورة الذين عرضوا عليه رئاسة المجلس الإنتقالي حال إعلانه دعم الثورة والإنضمام إليها .

حتى الآن...يبدوا عبدربه منصور في غاية الذكاء حسب تصوري ، إذ ليس من السهل على أي شخص وصفه الناس " بالكوز المركوز " أن يتعاطى مع وضع كهذا إن لم يكن محنكا وداهية ، فأمامه ثورة شعب ليس من الحكمة غض الطرف عنها ، وبجانبه أبناء واقارب صالح وبايديهم سلطة لا بد من انتزاعها ، وهناك مراكز قوى عسكرية وسياسية وقبلية تملك سلطات كبيرة يجب أنتزاعها أيضا ، ثم هناك قوى إقليمية ودولية تقف معه وتطالبه بتحمل المسؤولية وقيادة البلد الذي يعاني من انهيار شامل في كل متطلبات الحياة ، وبرغم هذا المشهد المفجع يبدوا الرجل متماسكا بل ومصمما على الشروع في تصحيح عميق حسب قوله ، ولا يمكن أن يتم ذلك دون تسليم السلطة إليه من كل الاطراف في البلاد .

قد يقول البعض من الناس وهذا وارد اننا نقوم الآن بتلميع عبدربه منصور ، مع أن الثورة تسعى للإطاحة بكل من في السلطة والرجل أحدهم ، ونحن نقول أننا كنا ولا زلنا وسنظل مع الثورة اليمنية لأنها أملنا الوحيد في بناء اليمن الجديد المعتمد على الدولة المدنية ، لكن الأحداث السياسية الأخيرة تحتاج منا إلى قرائتها بعمق ومن ثم مد الثورة الشبابية بنتائجها لتواصل سيرها نحو تحقيق كامل أهدافها ، وهنا على الشباب بالذات التفكير الف مرة في الخطوات التي يقومون باتخاذها والشعارات التي يرفعونها ، ليتمكنوا من فهم مخططات مراكز القوى وتنقية الثورة من الشوائب والطامعين .

كان من الخطأ قيام البعض بتسيير مظاهرات إلى بيت منصور ، وكان من الخطأ منح الرجل مهلة أربعة وعشرين ساعة من البعض الآخر لتسلم السلطة ، ما لم فسيعلنوا تشكيل مجلس إنتقالي ، لأن عبدربه منصور مثلهم تماما ليس بيده السلطة والقوة والصلاحيات الكاملة ، إذ كان من المفترض تسيير تلك الفعاليات إلى من يقبعون في القصر الرئاسي بدون حق دستوري أو أخلاقي أو شرعي ، وكان من المفترض أيضا أن يعمل الشباب إن كانوا مقتنعين بتولي الرجل المرحلة الإنتقالية ، على إعانته عبر مساعدته في انتزاع السلطة من كل الأطراف لا أن يتحولوا إلى ورقة ضغط عليه بدون ان يشعروا ، وأعتقد أن قادة الثورة الشبابية هنا بحاجة كبيرة للتعاطي بذكاء مع الأحداث ، طالما أنهم فوتوا فرص الحسم الثوري واحدة تلو الأخرى ، وعليه لا بد أن يحذروا من بعض الدسائس الحزبية وتسريبات مراكز القوى التي تستغل حماسهم لتحقيق بقائها في المشهد السياسي اليمني .

نحن الآن امام خيارين ، فإما مجلس إنتقالي وذلك خيار لا بد من دراسته بعمق وروح وطنية عالية ، فكيف للمجلس أن يحظى باعتراف دولي وكيف له ان يقوم بمهامه بدون سلطات وصلاحيات ، إلا إذا كان الشباب يسعون لوضع أسماء قادت وتقود مراكز القوى كأصحاب البيان رقم واحد ، فذلك سيمثل كارثة للثورة ورصاصة أخيرة في جسدها ، بل سيقود البلد إلى حرب أهلية طاحنة ،وإما الخيار الثاني والمتمثل في قيام عبدربه منصور بتسلم السلطة وقيادة المرحلة الإنتقالية حتى يتم انتخاب رئيس وإيجاد نظام مدني للبلاد ، ويبدوا أن هذا الخيار الأقرب للتنفيذ بحسب قبوله داخليا وخارجيا.

بإمكان قادة الثورة العمل بقوة على بقاء الثورة وزخمها خلال السنوات القادمة ، خاصة خلال المرحلة الإنتقالية ، لكنهم بحاجة للتذكير أن البلد وصلت إلى حالها اليوم بفعل صراع الأسرة المستبدة ومراكز القوى ، وقد سبقنا الكاتب القدير فكري قاسم في تناول موضوع خص فيه هذه المسألة ، ورجائنا أن يكون الشباب قد استفادوا منه كثيرا ، فالسلطة التي يجب تسليمها لمنصور لا تتمثل في ما بيد أحمد علي وإخوته وأعمامه واقاربه ، بل يجب تسليم السلطة من علي محسن ومقولة ومقصع وغيرهم ، إلى جانب السلطة القبلية الموجودة بيد بعض المشايخ ، لتنحصر كلها في يد النائب حتى يتمكن بدعم ومساندة ثورة الشباب ومراقبتها ،من حفر أسس بناء دولة النظام والقانون ، وعلى الشباب أن يفكروا كثيرا في ما يلي ، فإما تسليم السلطة من كل أولئك ومغادرة البلد حتى نتمكن كشعب من تصحيح مسار وطننا ، وإما حرب أهلية لن يتراجع أولئك في جر البلاد إليها من اجل بقائهم ، فأيهما أولى وأبقى وطننا اليمني بأرضه وشعبه ودماء أبنائه ، أم حفنة من الناس قادوا البلد إلى الفشل والفوضى والدمار نتيجة صغر عقولهم وحقد نفوسهم وغباء أفعالهم واستهتارهم بكل القوانين المعمول بها بين البشر.

الخيار والإختيار متروك للشباب وعليهم وعلينا أن نتذكر أن الوطن والناس أمانة في أعناق الجميع .

خاص لعبدربه منصور...

تبدوا المهمة صعبة ومعقدة لأن علي عبدالله صالح وأسرته المستبدة خلقوا بلدا مملوءا بالفوضى والخراب ، وهنا ندعوك إلى الإستعانة والإستعانة بالشباب وثورتهم المباركة لتطهير البلاد من مراكز الخراب والفوضى ، والشروع في تأسيس مرحلة وطنية جديدة ترتكز على أسس الدولة المدنية الحديثة ، ونعول كثيرا أنك خارج من رحم دولة نظام وقانون قبل الوحدة ، وتعلمت ودرست في دول متقدمة ومتطورة ،كما أن تجربتك الطويلة في السلطة ستساعدك في رسم معالم المرحلة القادمة ، فسارع متوكلا على الله في حمل الأمانة وتعامل مع الوطن والشعب بصدق ووضوح وابتعد عن كذب وتلفيقات الإعلام الرسمي بل وعجل في تغيير كوادره وأدائه ، واعلم أن مراكز القوى هي أساس البلاء ولهذا لا بد من رحيلها وخروجها وتذكر ذلك المثل الإنجليزي الشهير ...إما أن تكون أو لا تكون... وإن أحسست أو شعرت بالعجز فكن صريحا وواضحا مع نفسك والناس فالدماء والأرواح والبلد ليست رخيصة وساعتها لا خيار أمامك سوى الإلتحاق بثورة الشباب ففيها ومنها كتب الخير للوطن والشعب .

aalmatheel@yahoo.com 


في الأربعاء 29 يونيو-حزيران 2011 07:32:51 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=10845