سرقة الثورة حقيقة
بقلم/ محمد سعيد الجبري
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 12 يوماً
الإثنين 13 فبراير-شباط 2012 04:38 م

مما قرأتُ في حياتي أن الثورات يقوم بها المجاهدون المخلصون والأبطال المضحون، ويقطف ثمارها الانتهازيون والوصوليون والمنافقون.. وعلمتني الحياة أن الشعب الذي يضحي بحريته من أجل أمنه، لا يستحق الأمن ولا الحرية، وتيقنت بعد طول التجارب أن دول الاستعمار الغربي تجيد اختيار عملائها، وتمتاز في تغيير عقولهم. وتأكدت من كثرة الحوادث وتعدد الأزمات أن شعوبنا العربية أذكى من حكامها وأطهر من ساستها، كثيرون يعرفون الحقائق ويسقطون في الشراك، وليس العار أن تسقط، ولكن العار ألا تستطيع النهوض.. وكثيرون يعيشون الحياة بغير أمل، والأمل هو القارب الذي نخوض به الحياة لنصل إلى شاطئ الأمان، ومن عاش على الأمل لا يعرف المستحيل، فالحياة مليئة بالأحجار، فلا تعثروا بها، ولكن ابنوا بها سلماً تصعدون عليه إلى آمالكم، ومن المخجل أن تعثر مرتين بالحجر نفسه. ويجب أن تعرف أن الحياة مليئة بالمظالم، فلا تطأطئ لها رأساً، ولا تستعين بظالم على ظالم حتى لا تكون فريسة للاثنين، واعلم أن أعظم السراق وأكثرهم جرماً من يسرق الحق، ويختلس الجهود العظيمة، ليضيع مقدرات الشعوب. كثر الكلام وكثرت المقالات التي تتحدث عن الخشية من سرقة الجهود العظيمة التي قام بها الشباب في اليمن، وإذا لم تكن سرقة فإنها التفاف ومحاولات للاحتواء والرجوع من النافذة وبأقنعة مغايرة. إن هذه الجهود وهذه الثورات لها الحق الكامل فيما قامت به، لأن هذه الأنظمة جثمت على صدور الشعوب عشرات السنين، وهي غارقة في الفساد وغارقة في الاعتماد على رجال الأمن وقهر الناس.. إن هذا التخوف ليس من باب التشاؤم، ولا من باب عرقلة الجهود التي يجب أن تبذل بشكل مستمر حتى يتم الإصلاح المنشود، والسبب في ذلك هو أن هناك تجارب كثيرة سابقة سُرقت فيها جهود المجاهدين الذين حرروا الأوطان من المحتلين، إن أحابيل السياسيين طويلة وعريضة، ولا يدرك مرماها إلا من اكتوى بها، ودرس التاريخ الحديث وعلم ما جرى في الجزائر والمغرب وغيرهما من سرقة للجهود، فالذين سكتوا عن تحويل مسار الثورة الجزائرية من عربية إسلامية إلى جزائرية علمانية هم الذين تحملوا بعدئذ ما آلت إليه أمور هذا البلد الطيب. يحق لهذه الشعوب المقهورة منذ أربعين عاماً وأكثر أن ترفض الطغيان، وأن تطلب الإصلاح، فالخوف من التحريف ومن سرقة الثورات شرعي، فقد خابت كثير من الآمال ومن الوعود. الخشية في تونس أن يأتي شخص يعيد إنتاج النظام السابق، مع بعض التفضيلات الصغيرة، التي تأخذ بعين الاعتبار تطور «الميديا» و«الإنترنت»، وحتى في مصر وعلى افتراض مجيء فلان مثلاً، فهل هو الشخص الذي تستحقه مصر؟ وحتى في اليمن، هل يستطيع شخص في كل الفسيفساء اليمنية أن يخرج ويعيد إلى اليمن «سعادته» التي تغنت بها الركبان يوماً؟ فكيف تسرق الثورات؟ وكيف يتم تحويل أحلام الشعوب إلى كوابيس؟ تتمّ سرقة الثورات عبر الخطوات التالية:

1- تخدير الثورة عبر إنامة الثائرين وإيهامهم بأن الهدف قد تحقق بوصول هذا الشخص أو هذا التيار إلى الحكم، والعمل - عبر الأيديولوجيا - على إشاعة الاعتقاد بأن الثورة قد حققت أهدافها بمجرد التخلص من الدكتاتور الذي يصبح رمزاً للشر المطلق، حيث تبدأ حركة تحريض كبيرة ضدّ «العهد البائد»، و تصويره في شكل المرحلة المظلمة بشكل مطلق.

2- وضع مرجعية وحيدة شمولية جامعة مانعة، واعتبار ما سواها محظوراً ومضاداً لـ«روح الثورة»؛ مما يؤدي بالدولة إلى العزلة عن العالم وتحولاته، هذا ما حدث مع «الحزب الوحيد» في الاتحاد السوفييتي.

3- إنهاء الحريات بزعم «حماية الثورة» من المؤامرات، التي تتجسد في تهديد الرأسمالية في الاتحاد، وتهديد «الإلحاد» و«الكفر» و«قيم الغرب».

4- تنميط المجتمع في نماذج شكلية موحدة بشكل قسري في اللباس والسلوكات والقيم والفكر الأوحد.

5- صناعة رموز لـ«الثورة» وتحويلها بالتدريج إلى مقدسات عقدية، مثل صور وتماثيل الذين قاموا بالثورة.

6- جعل وظيفة الإعلام الوحيدة هي الدعاية لنظام «الثورة»، وللحكام باعتبارهم «منقذين» للشعب وللأمة، واعتبار الأمة بدونهم مهدّدة بأن تتعرض لضياع خطير وتيهان وانزلاق عن درب الثورة..

نسأل الله السـلامة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته