آخر الاخبار

أردوغان يتوعد بمواصلة كشف جرائم إسرائيل : هتلر العصر نتنياهو لن يفلت من المساءلة تعرف كيف تحمي نقسك من أساليب الاحتيال الاصطناعي.. إليك التفاصيل أبو عبيدة في ظهور جديد يكشف عن السيناريو الأوفر حظا للتكرار مع أسرى إسرائيل في غزة تعرف على الدولة العربية التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً في سرعة الإنترنت الثابت والمتحرك الزنداني يضع المبعوث الأممي أمام الخطوات التصعيدية للحوثيين مؤخراً على المستويين العسكري والاقتصادي شوارع إسطنبول تختنق وتغرق بطوفان بشري لوداع الشيخ عبد المجيد الزنداني وصلاة الجنازة عليه ماذا قال عضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء سلطان العرادة في رحيل الشيخ عبد المجيد الزنداني ؟ الرئيس العليمي يواجه المبعوث بما يجب عليه فعله مع الحوثيين ويؤكد التزام مجلس القيادة بخيار واحد تحذير طبي من الإفراط في تناول هذا المسكن إسرائيل وصفته بـ ''صيد ثمين جدا''.. من هو القيادي في حزب الله الذي اغتيل اليوم بغارة جوية جنوب لبنان؟

لتجاوز الموت السريري في اليمن
بقلم/ د. عمر عبدالعزيز
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و يوم واحد
الأحد 21 يناير-كانون الثاني 2018 09:47 ص

المعارك المحتدمة في اليمن تزداد ضراوة، وتتمدد في كامل الأقاليم الجغرافية اليمنية، وبتركيز أكبر على المحافظات الشمالية، وفي مقدمتها صنعاء، والشاهد على ذلك النزوح الكبير من العاصمة باتجاه القرى والنواحي والبلدات المعلقة في قمم الجبال، وتلك المتوارية في أخاديدها وانبساطاتها في الوديان التاريخية الحضارية الممتدة من مأرب وحتى المهرة، مروراً بأبين وحضرموت.
تزداد المعارك ضراوة عند تخوم صنعاء، وفي الساحل الغربي المتاخم لمدينة الحديدة، وعلى مشارف تعز، وفي كامل الامتدادات الجغرافية القلقة للساحل الغربي، حيث يتحرك الجيش الوطني مدعوماً بفيالق المقاومة الجنوبية، وطيران التحالف العربي، لتعظيم الميزات النسبية التي تلت سقوط معسكر خالد بن الوليد، وبعض مديريات محافظة الحديدة؛ وبالمقابل يستميت الحوثيون في إثبات وجود ميداني يتمثَّل في رشقات صواريخ الكاتيوشا، والهجمات المضادة المشابهة لتلك المشهودة في عديد الجبهات الأخرى الساخنة.
 بالترافق مع هذه الحالة الميدانية التي مزاجها الدماء والدموع، يقوم الحوثيون باستخدام الأطفال القصر، ورميهم في محرقة الموت المجاني، بالترافق مع أكثر أساليب الترهيب ضد الأهالي، الأمر الذي يمكن التدليل عليه من خلال الوجوم الحزين لمئات آلاف المواطنين المرهونين للحوثيين في مناطق سيطرتهم، بل وسعي الجميع للهروب من تلك المناطق، والعودة إلى مربعات القرية والقبيلة، حتى إن المراقبين الأنتروبولوجيين يلاحظون الآن كيف تتفكك صنعاء المدينة الحاضنة لكامل الأنساق الثقافية والاجتماعية اليمنية، كيما يرتدَّ سكانها إلى مرابع خيامهم القبلية القروية، بحثاً عن الأمان والسلام.
 إذا نجح الحوثيون في تهجير سكان صنعاء إلى قراهم ومناطق لجوئهم الجديد، فإنهم بذلك سيعيدون اليمن إلى أسوأ مرابع البؤس القبائلي الطائفي البغيض، وسيستلبون من اليمانيين أحلامهم المتواضعة في أن يكونوا داخل العصر وضمن نواميسه، وسينجحون في تجريف العصرنة والتمدُّن والهوية الوطنية الجامعة لأهل اليمن، وبالمقابل ستنتشر هذه الحُمَّى المناطقية المدمرة، لتزول المدن المختلطة التي طالما تفاخرنا بها، ولتحل محلها أنساق قبائلية عصبوية تعيد اليمن إلى ماضٍ سحيق.
 الدائرة في اليمن ليست مختصرة في مقارعة السلاح ونزف الدماء وتجفيف منابع الحياة، فحسب، بل إنها تباشر تمزيقاً منهجياً لتلك الكيانية التاريخية التي كانت رافعتها الكبرى الوسطية والتعايش، ومؤشراتها الأجدٌّ تكريس الهوية اليمانية في إطار مشروع اتحادي متعدد الأقاليم، ودولة جديدة تغادر سيئات الماضي، وتفتح الباب لتعظيم الميزات التنموية، وتعتبر المواطنة والمشاركة قدس الأقداس في معادلة تدوير الحياة المادية والروحية.
 الحوثيون ليسوا مؤهلين لاستيعاب هذه الحقائق الموضوعية القاهرة لمنطقهم الضيق، واستيهاماتهم في استرجاع نظام الأئمة في أسوأ حضوراته التاريخية، وتماهيهم السلبي مع مشروع «دولة ولاية الفقيه» العابرة للجغرافيا والتاريخ، ولم نجد فيهم حتى اللحظة عقلاً نيراً قابلاً للحوار والتعاطي المنطقي مع استحقاقات الجغرافيا والتاريخ، بل جماعات ميليشياوية، تطلق يد العنان للدهماء من العوام، وتتأسَّى بالناعقين الصارخين الديماغوجيين، مع إمعان في المخاتلة والتدجيل، في المناورات الكلامية البيزنطية التي لا تسمن ولا تغني من الفقر المفاهيمي السائد.
 بهذا القدر من العنجهية العصبوية النابعة من الأوهام والتأبِّي على الحقائق، والخضوع الاختياري لمشروع الإمامة الجديدة، يضع الحوثيون أنفسهم في مواجهة شاملة مع الذاكرة الجمعية لليمانيين والعرب، كما سيجرون وراء عربتهم الكسيحة مئات آلاف البسطاء المغلوبين على أمرهم.. مرةً بالإرهاب المقطَّر، وأُخرى بالأدْلجة بخطاب الماضي البغيض. 
وإذا استمر الحال على ما هو عليه، ولم يرعو الحوثيون وناصحوهم الميامين، وهذا أمر أتمناه شخصياً، في هذه الحالة ستصبح العملية الجراحية الكبرى في صنعاء وتعز والحديدة خياراً قاهراً لا مفر منه، لأنه سيكون بمثابة خيار الانعطافة الحادة لتجاوز الموت السريري الذي قد يمتدُّ لسنوات قادمة.
* نقلا عن ونقلت صحيفةالخليج