ربى: يحدث الموت فرقا
بقلم/ منى صفوان
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الخميس 10 ديسمبر-كانون الأول 2009 07:50 م

نشر بعضا من صورها على الفيس بوك... و كتب ما استطاعه ليخرج شيئا من حزن رجل فقد المرأة التي أحبها... ليعزي نفسه . أما هم فقد تعاطفوا مع زميلهم، ولكن موت \"ربى يحي منصور\" لم يكن حدثا عاديا..

بعد صراع يعانيه منذ فترة الكثير من اليمنيين في تعز، التي تستوطنها الأمراض و الأوبئة توفيت \"ربى\" التي لم يتوقع احد ممن عرفوها، ان يكون موتها بسبب هذا الإهمال الذي طال تعز و بنتيها التحتية و منها البنية الصحية، و الذي طالما سمعنا و تحدثا عنه!

تتصدر تعز الآن قائمة المدن اليمنية الموبوءة، و هناك حملة شعبية بدأت تأخذ طريقها الإعلامي، محاولة إنقاذ من يمكن إنقاذه من أبناء تعز.

موت الشابة الطموحة في احد مشافي مدينها الصغيرة، كان موتا غاضبا مما تعانيه هذه المدينة من القصور، في توفير كل ما يحتاجه مشفى عليه ان يهتم بأشخاص يصلون له ويحتاجون منه عناية خاصة، لأنهم يعانون أمراضا موجودة فقط في تعز.

كان من المنتظر ان تكون المراكز الصحية هناك ، مستعدة تماما لاستقبال حالات خاصة، و تتصرف كمدينة منكوبة يجهز القائمون عليها مستلزمات ضرورية لإنقاذ حياة من فيها، لكن الذي حدث و يحدث ان المشكلة ما زلت تبدأ بصعوبة التشخيص!

فما زلنا هنا.. عند هذه النقطة، التي لم نتجاوزها بعد، لا نستطيع ان نشخص أمراضنا، فكيف بعلاجها؟ لا نعلم ان كانت حمى الضنك، ام التهاب رئوي، ام ... أم.... ؟؟!!

الإهمال، جزء مهم لتسريع إنهاء الحياة، هو من يقود الناس للموت، إهمال مدينة كاملة كتعز لعقود هو من أوصل \"ربى\" لسرير المرض.. و يوصل غيرها اليوم.

و هي .. طامحة حلمت بالتغيير، الذي تحلم به أي شابه يمنية لديها إصرار الحياة، و لذا لم يكن موتها مجرد حدث عارض يمكنه ان يحدث عشرات المرات، لذا ضجت الصحف بخبر و فاتها، و ضجت أكثر لسبب و فتها.

انها \"حمى الضنك\"، التي تحارب اليمنيين في تعز، فلم يكن سبب الوفاة سببا عاديا او مرضا مزمنا، او مشكلة صحية عارضت حياتها، بل هو وباء تعلم به الحكومة و الصحافة التي كتبت عنه ، أو تلك التي تجاهلته عمدا حتى لا تهول الأمر.

ولكن سبب الوفاة هذا، لم يتضح إلا بعد فوات الأوان، وهذا ما يدمي القلب. الصحفيون بتعزيتهم \"لزكريا الكمالي\" عبروا في برقيات العزاء المنشورة عن سخطهم مما حدث، وقبل ذلك كثير منهم لم يدركوا مثلي ان هذا المرض فعلا خطير و يمكنه ان يصل لأشخاص يعرفونهم في تعز، و حين يتوفى قريب نعرفه تكون هذه المعرفة متأخرة أيضا و بعد فوات الأوان، كما حدث معي حين توفت قريبتي \"ربى\".

و لكنه حدث استفز سؤالا، من الذي يتحمل مسؤولية حماية حياة اليمنيين؟ و أيضا .... من الذي يقودهم للموت؟ في تعز، ظهر هذا المرض بسبب شحه المياه، و هي المشكلة المزمنة التي كانت دائما تعنون أي حديث عن تعز في الصحافة، و رغم ذلك لم تحل هذه المشكلة، لتكون اليوم الكارثة التي أحدثتها هي تفشي الإمراض، مع تزايد قلة الدعم الصحي الحكومي و قلة خبرة المشافي الخاصة هناك.

حدث موت الأستاذة الحقوقية، فتح نقاشا واسعا عن الموت البطيء لتعز، و فتح ملفا عن تحمل مسؤولية إنهاء حياة \"ربى\" ومثل هذه الملفات لا تسقط بالتقادم.

المسؤولية مشتركة ، ولكن تقاسمها لا يخفف عبء المسئول الأول.

فان كانت الحكومة تعتقد ان سقوط مزيدا من الضحايا، سيحيل اليمنيين لتقبل واقعهم و إرجاع الأمر للقضاء و القدر، و الاتكاء أكثر على قوة إيمانهم، لتمضي حياتهم في تذكر أحباهم، و بغرقهم أكثر في بركة الحزن. مما يضمن ألا يتحرك الجمود، و ألا يشتد التراخي، الذي أصاب الجهات المختصة. فهذه الفرضية ليست صحيحة دائما، لان الوضع لم يعد يتحمل بركة راكدة أخرى لقد استطاعت السياسية ان تحول بمهارة، اهتمام المجتمع المدني و الصحافة الى الأحداث و الأزمات السياسية المتلاحقة ، التي تقتل المئات أيضا، ليبدو مرضا تسببه بعوضه في مدينة صغيرة، حدثا اقل أهمية، لكنه لن يكون كذلك مادام يقتل أيضا مواطنين آخرين، في مكان أخر، حتى وان لم يكونوا في صعدة، او في الجنوب المشتعل.

كل الأخبار اليوم تحمل الموت، و المؤسف ان أخبار تعز ليست في الصدارة وكان ما يحدث بها لا يهم أحدا و هي أخبار تقول ان المشافي ترفض استقبال الحالات الميئوس منها، حتى لا تتحمل مسؤولية موت المريض، و تقول أيضا ان من تستقبله يموت على سريرها، و قالت كذلك..... ان ربى ماتت.....

في تعز، من يفشل في إيجاد مساعدة عاجلة من الدولة للخروج لإيجاد فرصة للحياة في مستشفى عربي او أجنبي، فعليه ان يحاول هنا، ولم يعد اليمنيون يثقون بأطبائهم، و هم في كل اليمن ، لا يتلقون العناية التي يحتاجونها لاستمرار حياتهم.

كل ما يحدث هو فوق المحتمل ، فالذي يفترض بهم الاهتمام بأمر ملايين اليمنيين، هم لا يفعلون شيئا من اجل ذلك، وهذا هو أفضل ما يمكن الحصول عليه، لان في غالب الأحيان، يمكن توجه البنادق لصدورهم.

الحملة الشعبية و الإعلامية لإنقاذ من تبقى في تعز، لن تعيد صغيرتنا ربى.. التي كافحت كثيرا لتصل للكثير الذي عجزت بنات عمرها عن فعله، لتموت بعد ذلك كبطلة، يلتفت إليها الكثيرون، و ينتبهون لها ولما حدث معها، كثيرون ممن لم يكونوا يعرفوها، يمكنهم الآن فتح ملفها و ما حدث معها ، ليس كملف شخصي يهم شخص واحد ، بل كملف يهم الملايين في تعز لقد اهتمت الصحافة اليمنية بحدث موت زوجة احد المنتسبين الشبان لهذه الصحافة، التي وجدت ان ما حدث لربى هو قضيتها التي تخوضها من فترة على فترات متقطعة، لأنها قضية تعني حياة ملايين اليمنيين في تعز.

و كما يحدث في تاريخ كل الشعوب، حين يضحي بعض الأفراد بحياتهم مخيرين و او مجبرين، من اجل قضية ... ليعشوا في وجدان و حياة أجيال من بعدهم، حين يحدث موتهم فرقا، في حياة غيرهم. فان موت ربى هو الفرق الذي يحدث فرقا اليوم.

فليس على حياة \"ربى\" ان تذهب هدرا، و يكون موتها مجرد حدث يردمه الحزن.

\"ربى\" هو اليوم عنوان جديد لحياة تعز.... هي التي و دعها الكثير من اليمنيين كبطلة ممن لم يعرفوها عن قرب، و لم تكن تعرف هي انها ستكون كذلك.

و تعاطف أهم شريحة في المجتمع و أكثرها تأثيرا مع فاجعة زميل لهم، ليس عليه ان يكون مجرد تعاطف وقتي،ينسحب تدريجيا، فما يحدث يستحق أكثر .

و الحملة الشعبية جهد متأخر، لكنه ضروري و ان تأتي متأخرا خير لك من عدم المجيء.. و أي حراك من اجل إنهاء \"حمى الضنك\" سيحمل الراحة لروح ربى..